التجرؤ على الفشل

TT

نجح وزير الخارجية الأميركي جون كيري في تحقيق إنجاز كبير عندما جعل الإسرائيليين والفلسطينيين يقولون «نعم» للولايات المتحدة الأميركية، ولكن هل يستطيع أن يجعلهم يقولون «نعم» لبعضهم البعض؟

في الحقيقة، أنا معجب بإصرار كيري على إعادة الإسرائيليين والفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات للمرة الأولى منذ خمس سنوات، ويعود السبب في ذلك بصورة جزئية إلى تصريحه بأن الطرف الذي سيقول «لا» لدعوة الولايات المتحدة لاستئناف المفاوضات سيثبت على الملأ أنه لا يرغب في التفاوض. وأود أيضا أن أشيد بجرأة كيري على مواجهة الفشل، وهذه هي الطريقة التي ستجعله يسطر تاريخا كبيرا كوزير للخارجية الأميركية، وستساعده أيضا على المضي قدما في عمله. ومن شأن أي نجاح من هذا النوع، وإن كان صغيرا، أن يخلق مزيدا من الثقة، التي قد تؤدي إلى المزيد من النجاحات في مجالات أخرى.

ومع ذلك، لا تزال احتمالات التوصل إلى اتفاق إسرائيلي - فلسطيني ضئيلة. في الواقع، لو كانت هذه المفاوضات عبارة عن مسرحية، لكان بإمكاننا أن نطلق عليها اسم «عندما يلتقي الضروري بالمستحيل». والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: لماذا يتعين علينا أن نشعر بالانزعاج والقلق؟ اؤمن دائما بأن أهم قاعدة في عالم الصحافة هي: لا تحاول أبدا أن تكون أكثر ذكاء من الخبر. وفي الحقيقة، هناك ما يدعو للشك في نجاح هذه المحادثات، ولكن عندما ننظر فيما وراء هذا الخبر فسنجد أن هناك عددا من القوى الجبارة التي دفعت الجانبين لكي يقولا «نعم» لكيري.

في البداية، من شأن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية أن يعزل الدولة اليهودية أكثر وأكثر، فقبل موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هذه المفاوضات، أعلن الاتحاد الأوروبي مبادئ توجيهية جديدة تمنع الاتحاد الأوروبي من التعاون مع/ أو تمويل أي مؤسسات إسرائيلية في الأراضي التي جرى احتلالها خلال حرب عام 1967، ويشمل ذلك المنح البحثية والمنح الدراسية والتبادلات الثقافية.

وعلاوة على ذلك، يدرس الاتحاد الأوروبي تطبيق فكرة أن تكون جميع المنتجات المصنوعة في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية موجودا عليها ملصق بذلك حتى يكون من السهل على الأوروبيين مقاطعتها (قامت بعض دول الاتحاد الأوروبي بالفعل بذلك ولكن بشكل فردي). وفي الحقيقة، كانت هذه الاتجاهات تمثل خطرا كبيرا على إسرائيل، ولا سيما أن الاتحاد الأوروبي يعد أحد أكبر الشركاء التجاريين لتل أبيب.

والآن، يجب أن نضع في الحسبان أيضا حقيقة أن فلسطين قد حصلت على صفة «دولة مراقب غير عضو» في الأمم المتحدة، ولذا بات من حق الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن يطلب من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في أنشطة إسرائيل الاستيطانية في الضفة الغربية، والتي ينظر إليها على نطاق واسع أنها تخالف القانون الدولي.

وفي الوقت نفسه، يرى عباس الاضطرابات في العالم العربي التي تؤدي إلى تهميش القضية الفلسطينية وإضعاف خصمه اللدود حركة حماس، التي كانت تحظى بدعم كبير في السابق من النظام السوري والإخوان المسلمين في مصر. وإذا لم يستفد عباس - الذي لم يستغل العرض الذي قدمه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت بإقامة دولتين عام 2008 - من هذه الجهود الأميركية المتجددة، فلا أحد يعرف متى ستأتيه الفرصة المقبلة!

* خدمة «نيويورك تايمز»