نصر الله بعد عرفات.. وكلام خارج المشورة

TT

لو كان هنالك لدى قيادة حزب الله تقليد معمول به كما هو المألوف في دنيا الأحزاب والحركات السياسية التي يعنيها الرأي الآخر وترى أن القرار العاقل هو الذي يصاغ في ضوء تنوع وجهات النظر، وطلبت مني رأيا بصفة كوني من الطيف اللبناني الذي يتمنى لهذا الحزب المقاوم خروجا آمنا وكريما من مآزق وضع نفسه فيها مضطرا أو مختارا لا فرق.. إنه لو حدث ما أشير إليه لكنت تمنيت بالنسبة إلى الرد على قرار الاتحاد الأوروبي ألا يكون على النحو الذي جاء في خطاب الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله مساء يوم الثلاثاء 23 يوليو (تموز) 2013 وقوله «إن القرار قصقوصة ورق وتافه، وأقول للأوروبيين إن هذا القرار ليس سياديا بالنسبة إليهم وإنما هو نتيجة إملاء. بلوه واشربوا ميتو»، وهو تعبير لبناني شائع ومعناه بالفصحى (بلو الورق واشربوا الماء بما فيه من حبر). وبدلا من ذلك، يصدر عن قيادة الحزب، أو المرجع المختص بالعلاقات الدولية بيان أشبه بمطالعة يستأنس عند صياغتها بآراء حقوقيين وخبراء في السياسة الدولية وسفراء سابقين أصحاب تجربة في التعاطي مع الأزمات الطارئة. لكن الذي حدث هو أن رد الفعل جاء عكس ذلك تماما، فلا هو نتيجة تحليل ولا هو في صيغة بيان مكتوب، لأنه لو كان كذلك لرأى قائله ضرورة تعديل بعض المفردات. وهكذا، فإن السيد نصر الله كان في عبارته التي تتسم بشيء من السخرية يخاطب الجمع الحاضر مأدبة الإفطار الرمضانية والمشاهدين في منازلهم للخطاب، مستهدفا تمتين معنويات جمهور حزب الله كي لا تهتز أمام القرار الأوروبي وما سيفرزه من إجراءات.

وهذه العبارة التي أوجز فيها السيد نصر الله رد الفعل من القرار التصنيفي الأوروبي، معتبرا الجناح العسكري من حزب الله، وليس كل الحزب «إرهابيا»، تجعلنا نستحضر عبارة مشابهة لها قالها ذات مناسبة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وهي «ليشربوا من البحر، وإذا كانت مياه المتوسط لا ترويهم فليشربوا أيضا من مياه البحر الأحمر». وعندما قال أبو عمار عبارته تلك، فإنه من جهة كان في ذروة الزهو والاعتداد بالنفس، وذلك بتأثير ورقة السلاح في أيدي مقاتلي حركة فتح المستوطنة عسكريا في جنوب لبنان، وقياديا وسياسيا في جزء من العاصمة بسبب مسايرة الحكم اللبناني للرئيس عبد الناصر الذي كانت مونته على أقطاب هذا الحكم، مدنيين وعسكريين، مسلمين ومسيحيين، بمثل مسايرة القيادات المدنية والعسكرية والزعامات السياسية والدينية بنسبة واسعة لما تريده سوريا الأسدية أبا ثم ابنا، وارتضاء هذه القيادات رغبة سوريا الأب والابن في أن يكون عمقها المتمثل بحزب الله من ناحية السلاح توأم العمق العرفاتي من الناحية نفسها. في الحالتين، كان الشأن الفاعل للسلاح هو المحفز للتعبير عن الموقف إزاء قرار دولي مباغت، مع ملاحظة أنه سبق إعلان قرار الاتحاد الأوروبي مدة كافية لصياغة البيان الذي يفند فيه حزب الله المضامين في حال كانت لديه مستندات أو حتى تبريرات، ولا يلخص رد الفعل بالعبارة التي تندرج في خانة الكلام الذي يجنن بدل الكلام الذي يحنن.

إلى ذلك، إنه لو وجد التقليد التشاوري إياه لكنت تمنيت، بالنسبة إلى الخطاب اللاحق مساء يوم الجمعة 2 أغسطس (آب) 2013، صياغة للفقرة المتعلقة بالموضوع الفلسطيني غير تلك التي قالها السيد نصر الله في سياق إطلالته المباشرة، وهي «نحن شيعة علي بن أبي طالب في العالم لن نتخلى عن فلسطين ولا عن شعبها ولا عن مقدساتها، فقولوا عنا رافضة وإرهابيين ومجرمين، قولوا ما شئتم واقتلونا تحت كل حجر ومدر وفي كل جبهة وعلى باب كل حسينية ومسجد، فنحن شيعة علي بن أبي طالب لن نترك فلسطين. ».. أما لماذا صياغة مختلفة للعبارة، فلعدة معطيات؛ من بينها أن الشعب الفلسطيني بأكثريته في الداخل وفي الشتات، وبالذات فلسطين المخيمات في لبنان وسوريا والأردن، تواق إلى الحل الذي صادف انتهاء الجولة الأولى من المحادثات الفلسطينية - الإسرائيلية في واشنطن برعاية أميركية حوله يوم الإطلالة المباشرة للسيد نصر الله وإطلاقه صفة «جيش علي» على المقاومة في شأن استرجاع فلسطين. ورغم خجولية الحل، الذي لن يكون إنجازه أصلا بالأمر السهل، فإن ضيق العيش وتوظيف آخرين الموضوع الفلسطيني على مدى خمسة عقود لتدعيم زعامتهم، يجعلان الفلسطيني يرتضي الحل الذي على الأقل يبقي على الهوية، في انتظار نشوء معطيات تفرض واقعا أفضل يعيش فيه الفلسطينيون واليهود في دولة، يرتأي المجتمع الدولي تجريدها، وبحيث تكون، وكذلك لبنان المجرد أيضا من السلاح والمعلن حياده، دولتين خاليتيْن من الصراع وغير مسببتيْن للصداع. وعلى هذا الأساس، فإن واجب كل عربي ومسلم في العالم، بما في ذلك إيران التي بدأت يوم السبت 3 أغسطس 2013 عهدها الرئاسي السابع في شخص حسن روحاني، دعْم هذا التوجه الفلسطيني، عسى ولعل بالكثير من الالتفاف حول الموقف التفاوضي للجانب الفلسطيني بدل الالتفاف عليه يحقق ما استحال الحصول عليه منذ اجتماع مدريد (أول نوفمبر/ تشرين الثاني 1991) واتفاقات أوسلو وإعلان مبادئ الحكم الذاتي (13 سبتمبر/ أيلول 1993) بعد جلسات أحيطت بالسرية بين عرفات وإسحق رابين. ونشير هنا إلى أنه عند المقارنة بين تصنيف روحاني لإسرائيل عشية تنصيبه رئيسا للجمهورية الإسلامية وكيف يبدو أنه على مشارف مضمون أو روحية المبادرة العربية للسلام والمعروفة «مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز»، وتصنيف الرئيس المنصرف محمود أحمدي نجاد في اليوم ذاته لإسرائيل - نرى أن فرصة دعم إيران «الروحانية» للتوجه الفلسطيني واردة، وتحت عنوان ترجيح الحوار والاعتدال على الضجيج النجادي طوال ثماني سنوات عجاف لجهة عدم انسجام الجمهورية الإسلامية مع محيطها العربي - الخليجي ومحيطاتها الدولية. فالرئيس الإيراني السابع حسن روحاني يرى «أن إسرائيل جرح في جسم الأمة الإسلامية منذ سنوات، وأن الشعب المسلم لا يريد نسيان حقه التاريخي وسوف يقف في مواجهة الظلم والاحتلال..».. أما الرئيس المنصرف نجاد، فما زال على اقتناعه بحتمية زوال إسرائيل.

والحديث يطول حول هذا المشروع وخرائط وطريق إنجازه. لكنه هو الآخر في عهد الرئيس السابع للجمهورية الإيرانية يحتاج إلى المشورة كما حاجة السيد حسن نصر الله وللحيثيات التي أوردناها، وكان يحتاج إليها الزعيم الفلسطيني الراحل عرفات. والمشورة فعْل توازن في شخص من يقود وليست ضعفا. وللتدليل على ذلك، نقول بأن من يعلن: «نحن جيش علي» مطالب بأن يتأمل في نصائح هذا الإمام، الذي بلاغته نهج لمن يقود. وكل عيد والأمتان على صبرهما حيال بعض الذين يقودون.