حاسوب في السجن

TT

طلب المحامي الألماني السجين هورست مالر السماح له بإدخال حاسوب إلى زنزانته. ذكر في الطلب أنه ينوي تأليف أطروحة تاريخية عن منظمة الجيش الأحمر، التي عرفت في بداياتها باسم «جماعة بادر ماينهوف». ووافقت الإدارة وجيء له بما أراد، خصوصا أن السجين كان، في شبابه، من مؤسسي الجماعة، ولعله سيكشف أسرارا جديدة عنها.

لكن مالر خدع سجانيه وجلس أمام الكومبيوتر ووضع كتابا في 235 صفحة، يكرر فيه أفكاره المتطرفة التي سجن بسببها ويقدم رؤيته لـ«الخروج من عالم متهود». إن هذا هو التعبير الذي يستخدمه ولا يقول: «متصهين» من باب الدبلوماسية والكياسة. ويقصد العالم الذي يحتفظ فيه اليهود بمفاتيح الأمور. وحين أنهى تحرير الكتاب تمكن من بثه على الشبكة الإلكترونية، واضعا إدارة السجن في حرج كبير.

يبلغ مالر من العمر، اليوم، 77 عاما. وقد كان أبوه نازيا، لكن الولد بدأ حياته يساريا متطرفا، درس المحاماة وتعاطف مع جماعة «بادر ماينهوف»، ثم شارك في الدفاع عن أعضائها وشارك في تأسيس جماعة الجيش الأحمر الثورية. وعرف عنه أنه كان ينقل الرسائل بين سجناء الجماعة وبينهم وبين أنصارهم في الخارج. وقد ساهم في خطة لتهريب أندرياس بادر، زعيم التنظيم، من السجن. ومثل الكثير من رفاقه الثوريين، شد هورست مالر الرحال للالتحاق بمخيمات الفدائيين الفلسطينيين وأمضى فترة في سجون الأردن. كانت تلك هي سنوات الحماسة الملتهبة لقهر الإمبريالية والرأسمالية وسحق إسرائيل ونشر السلام الأممي. ثم دارت عجلة الزمن وصار الفرسان الحمر «إرهابيين»، حسب التسمية الشائعة، ماتوا أو سيقوا إلى المعتقلات، لكنهم ظلوا يعتبرون أنفسهم «مناضلين من أجل الحرية».

لم يكن السجن جديدا عليه. وحين ألقت السلطات الألمانية القبض على هورست ورفاقه، وضعوا كلا منهم منفردا في زنزانة ومنعوا الاتصالات بينهم. ثم أرسل له القدر محاميا شاطرا يدعى غيرهارد شرودر، دافع عنه وتمكن من إطلاق سراحه. وعاد مالر إلى الحرية ليمارس المحاماة، بينما تفرغ شرودر من المهنة، بعد سنوات، ليصبح المستشار الألماني، أي رئيس الحكومة.

يبدو أن المتطرف لا يعرف كيف يعيش في المنطقة الوسط. أي في أرض البين بين. فخلال سنوات السجن، تحول المناضل الشيوعي الأممي من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وانتمى إلى «الحزب القومي الديمقراطي» وراح ينفي ما حدث لليهود على يد الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية. وكانت له آراء وكتابات حول علاقة الإسلام بالغرب. ولما ضربت طائرتان برجي مركز التجارة في نيويورك هلل وقال إن عصر الكبرياء الأميركي بدأ ينهار.

عاد مالر نازيا مثل والده. ومن شابه أباه...