مرجعية بيبيتي

TT

تلتقي المسيحية بالإسلام في شتى المفارق، بيد أن خلافا لطيفا يفصلهما. المسيحية تعتبر الحب والمحبة الخالصة أساسا للإيمان في حين نحن، المسلمين، نعتبر العمل الصالح هو الأساس. ينعكس ذلك في شتى آيات القرآن الكريم والسنة. هناك نحو 200 آية تبين ذلك.

جلسنا أنا وإخوتي حول صينية الإفطار، مثقلة بالأطايب، ننتظر الإشارة لنمد أيدينا. وخلال ذلك انطلقت جدتي (رحمها الله) تحدثنا، فقالت: «يا أولادي، الصيام وحده ما يكفي. لازم معاه أعمال صالحة.. اسمعوا مني ما حصل لذاك الرجل».

والرجل كان غارقا في القتل والإجرام في بغداد، وأدركته الشيخوخة وتملكته مخافة الآخرة. ذهب للشيخ يستفتيه. حكى له عما اقترفه وقال: قتلت 99 رجلا وامرأة. كيف أتوب وأحصل على مغفرة الله؟ قال له الشيخ: 99 قتيلا وتريد أن يغفر لك الله؟ اسمع! أعط كل ما عندك للفقراء، وخذ هذه العصا وارحل لبادية الشام. اغرس العصا في الرمل وانقطع للعبادة، صوم وصلاة، واستغفر ربك ليلك ونهارك. إذا رأيت العصا تخضر وتورق فاعرف أن الله قبل توبتك.

تسلم العصا وأعطى كل ما عنده للفقراء ورحل للبادية وانقطع للعبادة والاستغفار. مرت أشهر وأشهر والعصا تزداد يبوسا في الرمل، يئس الرجل من توبته، وقرر العودة من حيث أتى ليعود لحياة الجريمة والقتل والسرقة. وبينما كان يجمع عفشه لينصرف، سمع صراخ امرأة تستغيث: «النجدة يا أهل الخير! النجدة يا عالمين!» خف لمصدر الصراخ، فوجد صبية بدوية ورجلا شاهرا خنجره ليغتصبها، وهي ترده عن نفسها. قال أعوذ بالله، ماذا أفعل؟ عاهدت الله على التوبة، أن لا أقتل أحدا.

النجدة يا أهل الخير!

عادت الفتاة للصراخ والاستنجاد. قال الرجل: قتلت 99 ولم يغفر لي ربي! فلتكن مائة. هجم على المعتدي وصارعه حتى انتزع الخنجر منه، وغرسه في صدره بضربة نجلاء أردته قتيلا. «يا الله يا بنت! امش لأهلك ولا ترجعين بعد اليوم لهذي الديرة»، قال لها وعاد لمكانه بائسا يائسا؛ «99 روحا في رقبتي، والآن صاروا مائة»! عاد لمكانه فإذا بالعصا قد اخضرت وأينعت بالورق والزهور، هدية من رب العالمين.

قالت جدتي: فعل الخير يا أولاد ما يضيع عند الله.

ما قالت جدتي ذلك حتى دوى صوت المدفع من وزارة الدفاع، واختلط بصوت المؤذن من مسجد الأزبكية: الله أكبر! الله أكبر! حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على خير العمل.

مددنا أيدينا لنقصف بالكباب والكبة، بالسلطة والشوربة، وكان يوما مباركا من أيام رمضان الشريف.