بانتظار المنتظر!

TT

كلما جف أمل الإنسان من تراب الواقع، هرب إلى ماء الأحلام.

لذلك تكثر في لحظات اليأس والإحباط لدى المجتمعات، أو الجماعات التي تحمل فكرا معينا تؤمن بأنه الحق المطلق، أحلام اليقظة، والرؤى التي تجيب أمنيات النفس العميقة. من أدب السجون القديم الحديث عن كثرة الرؤى، والانشغال بها، فهي النافذة الوحيدة إلى خارج أسوار السجن. قال شاعرهم في هذا المعنى:

«وتعجبنا الرؤيا فجل حديثنا - إذا نحن أصبحنا الحديث عن الرؤيا»!

هذا السلوك ليس حكرا على ثقافة دون أخرى، أو قومية عن سواها، بل هو حيلة النفس الإنسانية منذ الأزل للتنفيس عن بخار يأسها الخانق.

تجلت فكرة الخلاص الناجز والشامل بعدة صيغ، حسب الخلفية الثقافية التي ينطلق منها هذا المجتمع أو ذاك.

أصل فكرة المخلص قديم، موجود تقريبا لدى كل الثقافات الإنسانية، والديانات الشرقية، ومنها المجوسية. وعلى ذكر المجوسية الفارسية فهي متجذرة في ميثولوجيا الخلاص هذه، وحسبما يذكر العالم المعتزلي القديم عبد الجبار الهمذاني، في كتابه «تثبيت دلائل النبوة»، فإن المجوس يدّعون أن لهم منتظرا حيا باقيا من ولد بشتاسس يقال له أبشاوثن، وأنه في حصن عظيم بين خرسان والصين.

هذه الفكرة نفسها تسللت للفضاء الإسلامي، فهناك مهدي هو محمد بن الحنفية، وهو ابن علي بن أبي طالب. ذكر المؤرخ الواقدي عنه أن الشيعة كانت تسمي محمد بن علي بالمهدي، وهو عند فريق من الشيعة متخف في جبل «رضوى» بشمال الحجاز حسب الأسطورة.

قال الشاعر كثير عزة فيه:

«وسبط لا تراه العين حتى - يقود الخيل يقدمها اللواء

تغيّب لا يرى فيهم زمانا - برضوى عنده عسل وماء»

وهناك أيضا المهدي المتخفي في سرداب مدينة سامراء بالعراق، والذي سيكون له ظهور كبير يقلب المعادلات على الأرض ويعيد فردوس العدالة على الأرض. وهو المهدي الأشهر طبعا، ويحتل الإيمان به مكانة مركزية، وليست تكميلية، في المنظومة الإيمانية العقائدية. ويكفي أن تطالع تصريحات أحمدي نجاد ومقتدى الصدر حوله. ادعى المهدوية أيضا قادة ورجال سياسة في التاريخ، من غير الشيعة، من المهدي العباسي إلى المهدي السوداني إلى مهدي جماعة «جهيمان» في العصر القريب.

الفكرة ببساطة هي مقاومة وجدانية للواقع المعيش، ومحاولة إيجاد وقاء نفسي يعين على تحمل الواقع المرفوض، والتسلي بالصبر انتظارا للمخلص. غالب الفقهاء السنة يقولون بصحة فكرة المهدي، لكنهم لا يحلونها مكانا مركزيا في المنظومة العقائدية مثل الشيعة، بل منهم من نفى الفكرة من أساسها، مثل فقيه تونس ومؤرخها عالم الاجتماع ابن خلدون الذي كان ينكر صحة هذه الأحاديث، من القدماء، ومن المعاصرين الأقربين الفقيه الحنبلي الشيخ عبد الله آل محمود مفتي قطر السابق، وله كتاب في هذا.

هذه الأحلام تولد في لحظات الإنكار والإحباط.. وشيء من هذا يجري الآن تجاه محمد مرسي في رابعة العدوية.

[email protected]