لماذا لم توجه دعوة إلى خاتمي لحضور حفل تنصيب روحاني؟

TT

لم يحضر الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي مراسم تنصيب الرئيس الجديد حسن روحاني. وقد استعرضت أثناء مشاهدة الحفل وجوه جميع المشاركين في الحدث الذي عقد في مكتب المرشد الأعلى. وأثار غياب خاتمي في ذهني الكثير من التساؤلات: لماذا لم يدع إلى الحفل؟ وإذا كانت قد وجهت إليه الدعوة، فلماذا لم يحضر؟

صدق المرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي رسميا على تعيين حسن روحاني رئيسا جديدا للبلاد لمدة أربع سنوات. وحضر الحفل مسؤولون إيرانيون كبار وشخصيات سياسية من بينهم رئيس تشخيص مصلحة تشخيص المجلس علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ورئيس البرلمان علي لاريجاني، ورئيس السلطة القضائية صادق آملي لاريجاني، ورئيس مجلس صيانة الدستور جنتي، والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وحفيد الراحل المرشد الأعلى السابق حسن الخميني، ومستشار علي أكبر خامنئي ناطق نوري.

كما حضر مرشحو الرئاسة السابقون مثل محمد رضا عارف، محمد باقر قاليباف، محسن رضائي، غلام علي حداد عادل، سعيد جليلي، علي أكبر ولايتي، وسيد محمد غرضي. لكن غياب خاتمي كان ملحوظا في الحفل.

وكشف النائب شاهين محمد صادقي يوم الاثنين، عن أن خاتمي لم يدع إلى حفل.

سيخلف روحاني محمود أحمدي نجاد، الذي انتهت فترته الرئاسية الثانية يوم السبت 3 أغسطس (آب). وشهدت مراسم تنصيب الرئيس في البرلمان يوم الأحد 4 أغسطس حضور 55 وفدا أجنبيا. شملت الوفود أحد عشر رئيسا، ورئيسي وزراء، وثمانية نواب رؤساء، وسبعة رؤساء برلمانات. وكانت هذه هي المرة الأولى التي تدعو فيها إيران مسؤولين أجانب لحضور حفل تنصيب الرئيس. وكل الذين شاهدوا المراسم أدركوا أن مقعدين مهمين في مراسم أداء روحاني اليمين الدستورية كانا شاغرين. فقد حضر رئيسا توغو وغينيا بيساو الحفل، وغاب أحمدي نجاد وخاتمي عنه.

كيف يمكننا أن نحلل هذا الغياب الغريب؟ ما هي الأسباب الواضحة أو الخفية وراء غياب خاتمي وأحمدي نجاد؟ هل هذا مثال آخر على ارتباك إيران؟

كتب دوري غولد، سفير إسرائيل السابق لدى المملكة المتحدة، كتابا عن إيران كقوة إقليمية. نقل فيه من السير دينيس رايت، السفير البريطاني لدى إيران في السبعينات، قوله «إن الإيرانيين أناس يقولون عكس ما يفكرون، ويفعلون عكس ما يقولون» (دوري غولد، صعود إيران النووية، ص. 185). وقد وجدت مبالغة واضحة في حكم في دينيس رايت، لكني أعتقد أن المشهد السياسي في إيران معقد جدا.

هذا الحدث الغريب ينطوي على شقين، غياب أحمدي نجاد، وخاتمي كذلك. لكن غياب أحمدي نجاد ليس مهما في الأساس، لأن عهد أحمدي نجاد قد انتهى. كما أنه فاز بالرئاسة في انتخابات أثيرت حولها شكوك كبيرة. لكن خاتمي واحد من أكثر الشخصيات المعروفة في إيران، ويتمتع بتأثير كبير على المشهد السياسي والاجتماعي في إيران. وقد أبرزت الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت في يونيو (حزيران) مدى تأثير خاتمي، وهاشمي رفسنجاني، وأنهما كانا مهندسي الانتخابات الرئيسين. إضافة إلى ذلك، يعتبر الإصلاحيون خاتمي، في الوقت الحاضر، زعيم الحركة الإصلاحية في إيران. فعلى سبيل المثال، عندما انسحب عارف من السباق الرئاسي أعلن أن قراره جاء بناء على رسالة وجهها إليه خاتمي قائد الجبهة الإصلاحية في إيران.

بالإضافة إلى ذلك، كان خاتمي رئيسا لإيران لفترتين. فلماذا لم يدع للمشاركة في التصديق ومراسم أداء اليمين الدستورية في البرلمان؟

أعتقد أن هناك صندوقي اقتراع مهمين جدا في إيران. ففي كل انتخابات رئاسية يحمل كلا الصندوقين رسائل واضحة، لكن غالبا ما يكون هناك تناقض عميق بين نتائج الصندوقين. الصندوق الأول هو صندوق الاقتراع الوطني، وهو ملك لجميع الإيرانيين، داخل وخارج إيران على حد سواء. والثاني هو صندوق اقتراع رقم الهاتف المتحرك رقم 110، هذا الصندوق يستخدمه المرشد الأعلى وتلاميذه المقربون، ومن يعملون معهم في مكتب المرشد الأعلى، فهم يدلون بأصواتهم في صندوق الاقتراع رقم 110.

نتائج كلا الصندوقين مدروسة، وحساسة، وينبغي دراستها بعناية. فحصل جليلي - كبير المفاوضين الإيرانيين وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي - في انتخابات الصندوق رقم 110 على ثمانين في المائة من الأصوات - نحو 200 صوت - بينما حصل روحاني على 17 صوتا فقط. من ناحية أخرى، كانت نتائج صناديق الاقتراع على المستوى الوطني مختلفة تماما، فحصل روحاني على أكثر من 18 مليون صوت، فيما حصل جليلي على 4 ملايين صوت. إضافة إلى ذلك، قال رئيس مجلس صيانة الدستور السابق، في آخر مقابلة له، إن جليلي حصل على النصيب الأكبر من الأصوات في المجلس. تذكر أن مجلس صيانة الدستور لم يوافق على ترشيح هاشمي رفسنجاني.

هذا يبين بوضوح أننا أمام نهجين: حكومي وشعبي. الأول يروج أفكار وآراء المرشد الأعلى، والثاني هو صوت الأمة. الآن يطرح سؤال نفسه للغاية: هل سيفرض صندوق الاقتراع رقم 110 إرادته على إرادة صناديق الاقتراع الوطنية؟ وبعبارة أخرى، هل ستقبل مؤسسات آية الله خامنئي القوية، مثل الحرس الثوري، والتلفزيون، والنظام القضائي، حقا بنتيجة الانتخابات؟ هل سنتمكن أخيرا من أن نرى بصيصا من النور في نهاية النفق؟ هل سيتمكن روحاني من حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟

لحسن الحظ، هناك علامة جيدة يمكن أن تقنعنا بأن الدائرة المقربة من الحكومة، وأعني بذلك القيادة، بصفتهم أول وأهم صانعي القرار في إيران، يدعمون روحاني. تلك العلامة التي أشرت إليها هي موافقة خامنئي على قائمة مجلس الوزراء التي أعلنها روحاني، والتي قدمها روحاني إلى البرلمان أثناء مراسم أداء اليمين الدستورية، يوم 4 أغسطس. يتألف مجلس وزراء روحاني من شخصيات إصلاحية، وهو ما دفع صحيفة «كيهان»، الناطقة بلسان المتشددين والمتطرفين في إيران، لأن تقترح على النواب رفض بعض الوزراء الرئيسين، بما في ذلك وزير النفط، بيزن زنكنه، ووزير العمل والشركات، ربيعي. كما صرح حداد عادل بأنه يريد أن يجعل مجلس الوزراء أكثر قبولا. وهذا يشير إلى أنهم يريدون تنحية بعض الوزراء. ومعروف أن «كيهان» وحداد عادل ينتميان إلى الصندوق رقم 110. هذا يوضح أننا أمام مواجهة خطيرة بين الجانبين.

ولقد قرأت مؤخرا كتابا لدارون أسيموغلو وجيمس روبنسون بعنوان «لماذا تسقط الأمم؟ أصول السلطة والازدهار والفقر». ويقول باختصار إنه في كل مرة يحاول فيها صندوق الاقتراع رقم 110 فرض إرادته ضد تلك الأمة، فإن ذلك سيشكل بداية سقوطها، وأعتقد أنه خلال فترة ولاية حكومة أحمدي نجاد كنا نواجه سقوط جميع الأطراف، كما قيل، فقد كانت لعبة غامضة للجميع، والحكومة، والقيادة والأمة.