نبيل كوشك.. أكاديمي مستقبلي

TT

لديَّ شغف مستمر لا ينقطع، وهو البحث عن النماذج الناجحة والمخفية في المجتمعات العربية وتسليط الضوء عليها؛ نظرا لإيماني الشديد بأهمية ذلك الأمر، وخصوصا في ظل وجود كم لا ينتهي من الأخبار السلبية التي تغطي القنوات الفضائية والصحف اليومية، مع الندرة الشديدة في الأخبار التي تقدم عن هذه النوعية من الشخصيات وهذه النوعية من الأخبار، إلا أن هذا لا يلغي وجودها وضرورة إبرازها.

وفي عالم التقنية والإدارة الحديثة تبدو الفجوة هائلة وكبيرة بين العالم العربي والعالم الصناعي الأول، ولذلك كم هي مفاجأة سارة جدا كانت وأنا أتعرف عمليا على الدكتور المميز نبيل عبد القادر كوشك، الرجل الرصين الهادئ وكيل جامعة أم القرى السعودية للأعمال والإبداع المعرفي، وهو أيضا نائب رئيس مجلس إدارة شركة «وادي مكة للتقنية»، وهي شركة معنية بأن تكون مركزا بحثيا تطويرا لخدمة قطاع الأعمال في مجالات التقنية الحديثة لتكون وعاء وحاضنة مغذية للأبحاث والتطوير ذات العوائد المالية المحترمة. نبيل كوشك سليل أسرة مكية كريمة وعريقة، والده كان أمينا للعاصمة المقدسة مكة المكرمة، وعمه يحيى أحد خبراء المعمار والمياه المعروفين، ونبيل نفسه شخصية دمثة الخلق ورصين وموزون جدا، حكيم في كلامه، دقيق في تخطيطه وملم بعلمه دون نرجسية ولا «كثرة كلام»، يدرك تماما أن التحدي الذي يقدم عليه عظيم والمهمة صعبة، نظرا لحجم المشككين والمغالطين وقاتلي الطموح والأحلام، إلا أنه صبور ومثابر ويعمل بشكل دؤوب ومستمر، تمكن من استكمال إيداع 100 مليون ريال للشركة في حسابها المخصص من وزارة المالية، وبذلك سوف تكون الشركة قادرة على العمل بشكل نظامي وقانوني سليم، وكذلك تسلمت الشركة أرضا خصصت لها ولمشاريعها مساحتها تقارب 200 ألف متر مربع تقع خارج حدود المدينة الجامعية.

وتعتزم الشركة الدخول في مشاريع مهمة وحيوية في مجالات الطاقة الشمسية والطاقة المتجددة ومشاريع متعلقة بتخفيف التلوث البيئي والتقليل في الاستهلاك المرتفع جدا في المواد البترولية. ويعلم ويدرك نبيل كوشك جيدا أنه يخطو خطوات ثقيلة في مناطق تقع بين الوهم والخيال في أذهان الكثيرين، ولكنه مسلح بالعلم والأمل والروح والصبر والمثابرة والحجة، فهو «مسوق» ماهر لسلعته ويقدمها بشكل مقنع لإلمامه بالتحدي العلمي ولإدراكه تماما الفرصة الاقتصادية في الوقت نفسه، مع إدراكه التام وإلمامه الكبير بالفشل الذي أصاب تجارب جامعية وأكاديمية سابقة لأسباب مختلفة، ولكنه يركز بعقلانية على التجارب الأكاديمية بالمشاركة مع رأس المال الاقتصادي، والتي ولدت تجارب ناجحة في وادي السيلكون للتقنية بمنطقة شمال كاليفورنيا، والتي كان الدور عظيما لنجاحاتها في التوأمة مع الجامعات، وتحديدا جامعة ستانفورد العريقة، وكذلك الأمر بالنسبة للتوسع التقني الذي حصل في منطقة بوسطن، وكان لدور معهد ماساتشوستس للتقنية دور عظيم في المبادرات الاقتصادية التي انطلقت من هناك، ونفس الشيء حدث في ولاية فرجينيا مع جامعتها المعروفة، وكذلك في الهند بمنطقتي بانجلور وحيدر آباد، وكل ذلك على سبيل سرد الأمثلة لا أكثر. يدخل نبيل كوشك منطقة معقدة تجمع بين استثمار رأس المال الطموح ومجال التقنية الحديثة والمجال الأكاديمي، وكل واحدة منها على حدة من الممكن أن يطرح المنظرون حولها عشرات الأسئلة والآراء والأقوال التي أقل ما يمكن أن توصف بأنها محبطة وسلبية جدا، ولكنه استمر في طرح هذه الأفكار الطموحة والممكنة ودعم توجهه بدراسة مهمة تعد من أهم شركات المشورة الاقتصادية، وهي شركة «بووز»، وكذلك هناك تعاون مهم مع جامعة هارفارد العريقة. وسائل النجاح معروفة، رأسمال مناسب، أفكار خلاقة، فريق عمل مؤهل وكفء ومناسب، وإدارة واعية، وروح مثابرة وموجهة ومركزة، وطبعا توفيق من رب العالمين في بدء وفي ختم، ويبدو أن شروط النجاح هناك متوفرة على الرغم من التحديات الذهنية التي يواجهها فريق العمل من المشككين والمحبطين وفرق أعداء النجاح، وهي كثيرة جدا. أهمية هذا المشروع أنه يصب في مرافق تهم الاقتصاد الوطني وتسهم في تحسين فعالياته والانفتاح على نوافذ مستقبلية مهمة ومميزة، وهناك يكمن «المفتاح» لنجاح مشاريع وأفكار هذه الشركة. من المصلحة الوطنية العامة أن تنجح جامعة أم القرى وشركتها الجديدة ومشاريعها المقترحة، لأن ذلك سيكون خطوة مميزة على طريق التنوع الاقتصادي المنشود ويتيح للجامعات وطلابها المشاركة في صناعة مستقبل واعد طال انتظاره.