خطف المُرادين: من يحقق مراده؟

TT

«زوار الإمام الرضا» منظمة وهمية تبنت عملية اختطاف الطيارين المدنيين التركيين وأعلنت أنهما ضيفان عليها حتى الإفراج عن مخطوفي أعزاز. تركيا نصحت مواطنيها بعدم التوجه إلى لبنان إلا عند الضرورة، ودعت الأتراك الموجودين هناك للعودة، وهي تحركت باتجاه تعزيز تدابيرها الأمنية حول مقر القوات التركية العاملة في جنوب لبنان بانتظار القرار الجديد بإجلاء المجموعات المتبقية. معظم القوات الدولية والعربية التي دخلت الأراضي اللبنانية للوقوف إلى جانب حماية وحدتها واستقلالها وسيادتها أجبرت على مغادرة البلاد بين ليلة وضحاها ووسط ظروف تختلف عن طبيعة المهمة التي جاءت من أجلها. تركيا تغادر لبنان وسط هذه الظروف أيضا حتى ولو قيل إن قرار الانسحاب صدر قبل أسابيع ولا علاقة له باختطاف مواطنيها، هم نفذوا تهديداتهم وقرروا أن ثمنا ما ينبغي أن تدفعه أنقرة، لكننا لا نعرف إذا ما كان حقا سببه هو مسألة أعزاز أم لا؟

لن تقع الحكومة التركية في مصيدة توجيه أصابع الاتهام إلى حزب الله اللبناني بالوقوف وراء عملية اختطاف الطيارين في اليوم الثاني لعيد الفطر، على مقربة من مطار لبنان الدولي بوابة لبنان إلى العالم الخارجي. فعملية الخطف كما وصفها النائب اللبناني من أصل أرمني جان أوغاسبيان، جرت في منطقة تابعة لحزب الله وعلى طريق المطار، الأداة والرهينة بيده. نائب آخر عاطف مجدلاني يؤكد أنه من دون «قبة باط» من حزب الله لا عملية تتم هناك.

ولن نرد على مقولة يتناقلها البعض أيضا حول أن ذوي المخطوفين في أعزاز ضغطوا على حزب الله ليحقق لهم مرادهم في معادلة العين بالعين فحصلوا على المرادين (مراد أكبنار ومراد أغجا) معا. ولن تستفزنا أنباء حول إطلاق الأسهم النارية والمفرقعات في بئر العبد ابتهاجا بعملية الخطف.

ولن يكون موجعا أبدا تسابق البعض في الإعلام اللبناني على تبرير عملية الخطف وتحميل «العدالة والتنمية» وأردوغان المسؤولية الكاملة وكأنها حلقة في مخطط إسقاطه بتشجيع ودعم الدولة العميقة وشركائها داخل تركيا وخارجها.

الشيخ عباس زغيب المكلف من قبل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى متابعة قضية المخطوفين وجه اللوم أكثر من مرة إلى الحكومة التركية وحملها مسؤولية ردود الفعل وما قد يقع في المستقبل، والذي قد يشمل «استضافة» الأتراك على الكباب، فمن حق الأهالي كما قال الإضرار بالمصالح التركية فهو عمل مشروع. لكن زغيب دعا على المكشوف أو «المشبرح» بعد الإعلان عن عملية الخطف للوقوف إلى جانب الخاطفين: «.. لبنان لديه الشرفاء الكثر للقيام بهذا العمل»!

دانيال شعيب الموصوف بالناطق الرسمي باسم ذوي المخطوفين، والذي انتظر الخبر العاجل، شكر الخاطفين في تصريح للوكالة الوطنية للإعلام «يعطيهم العافية».

بعض مؤسسات الدولة اللبنانية لا تتفرج فقط، بل تنقل الرسائل المشيدة بعملية الخطف! سنقول هذه المرة إنها عطلة العيد وسيتدخلون فورا كما سيفعل ذلك المجلس الشيعي الذي سيقول لنا إذا ما كان زغيب يعبر عن رأيه أم لا؟

روح النكتة لا تفارق البعض حتى ولو كانوا وسط عملية خطف أبرياء مدنيين «أمان يا ربي أمان بيرجع زوار بيرجع قبطان». علينا في أنقرة التحرك قبل أن يرسم بعض الإعلام اللبناني والخاطفين سيناريوهات جديدة.

إيران هي التي شجعت على عملية الخطف لتسدي خدمة «إنسانية» لحكومة أردوغان وستتحرك لرد الجميل عندما لعبت أنقرة دورا أساسيا في الإفراج عن العشرات من مواطنيها المحتجزين لدى الثوار السوريين قبل عام.

المخابرات المصرية قد تكون وراء العملية لقطع الطريق على المواقف التركية اليومية الداعمة لـ«الإخوان» ومحاولة إلهاء الأتراك بهذه القضية!

كل هذا التصعيد والتحدي لافت حقا، والمسألة أبعد من أمان ومن الرمان هي قلوب ملان! لكننا سنغض النظر من أجل حماية ما بنيناه في لبنان.

تركيا تدفع الثمن..

ثمن سياستها السورية ولكن المحاسبة تتم عبر لبنان.

ثمن تحسين علاقاتها التجارية والسياسية بلبنان في السنوات الأخيرة.

ثمن إلغاء التأشيرات التي يعرف اللبنانيون معناها وقيمتها وأهميتها أكثر من غيرهم.

ثمن الانفتاح على شرائح واسعة في المجتمع اللبناني الذي أزعج إيران وحلفاءها في لبنان.

قضية لبنانية - سورية تتحول إلى أزمة بعض اللبنانيين مع تركيا. هي أبعد من أعزاز وهم يريدونها أن تسجل كهزيمة سياسية إقليمية في خانة الأتراك الذين كانوا يقودون حوارا باتجاه الحل بالتعاون مع السلطات اللبنانية.

أصوات تركية بدأت تتحدث عن عملية نفذها حزب الله بتفويض من النظام السوري ردا على الضربات الموجعة الأخيرة في حلب وقرى الساحل السوري والاقتراب من القرداحة مسقط رأس أسرة الأسد.

كتابات أخرى تقول إنه بات على الأتراك الآن أن يقنعوا إيران لتقنع حزب الله كي يضغط بدوره باتجاه الإفراج عن المخطوفين.

لم تعد مسألة اختطاف مواطنين تركيين أو إنقاذ المحتجزين في أعزاز، فهم لو كانوا يريدون حقا ذلك لما كانوا فتحوا الطريق على وسعه أمام الالتحاق العسكري لحزب الله في المعارك داخل المدن السورية إنقاذا للنظام بدلا من إنقاذ محتجزي أعزاز أم أن حزب الله يتحرك على حسابه ودون التنسيق مع طهران؟