سرعة اتخاذ القرار

TT

فوجئت أنا وأطفالي بأن طابور بيع الفشار والمرطبات الطويل في السينما بالكويت صار يتحرك سريعا على غير عادته! وحينما تأملنا ما الذي استجد فلم نجد سوى موظف يسجل طلبات الزبائن الواقفين في الطابور. سألت المسؤول ماذا فعلتم بالضبط؟ فقال: إننا جربنا كل الطرق، طوال السنوات الماضية، لتسريع الطابور فلم ننجح إلا حينما اكتشفنا أن أكثر سبب يؤخر الطابور هو أن الناس لا تتخذ قراراتها بسرعة فلجأنا إلى تخصيص موظف للتأشير أمام الأصناف المكتوبة في قائمة طلبات يقدمها للزبون الذي يسلمها بدوره إلى المحاسب (الكاشير) الذي ألف محتوياتها فصار يستجيب بسرعة أكبر للطلبات.

هذه الطريقة لجأت إليها أيضا خدمة السيارات في أحد المطاعم العالمية في حينا السكني، وتطبقها الكثير من الجهات لتسريع عملية اتخاذ القرار الذي ثبت أنها توفر الكثير من الوقت والجهد والمال.

وكم من مدن إسكانية كانت حتى عهد قريب ذات تكلفة محدودة ولكن تأخير اتخاذ القرار لسنوات ضاعف تكلفتها بصورة مذهلة. على سبيل المثال، إن لم تخني الذاكرة كانت تكلفة مطار الكويت 1.4 مليار دولار أميركي حينما أعلن عنه قبل سنوات وبعد أشواط من التسويف ارتفعت تكلفته إلى 3.2 مليار دولار وأحد أسبابها ارتفاع تكلفة المواد الأولية ناهيك عن معضلة الأوامر التغييرية المكلفة لاحقا. وكذلك «مدينة الحرير» المنتظرة في شمال البلاد التي تعد أكبر مشروع إعماري في المنطقة ظلت حبيسة الأدراج منذ الثمانينات ولما أعلن عن تكلفتها أخيرا بلغت 250 مليار دولار! ولحسن الحظ، فإن بعض المسؤولين يدركون أن عدم البت سريعا بالقرارات قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، وهذا أحد الأسباب الذي دفع الأسرة المالكة لصحيفة «واشنطن بوست» منذ الثلاثينات من القرن الماضي إلى بيعها قبل أيام لصاحب موقع أمازون، أكبر متجر إلكتروني للبيع بالتجزئة في العالم، رغم مرارة القرار والخشية مما هو قادم حسبما قال أحد الملاك.

وفي بعض الحالات يكون اتخاذ القرار بسرعة أمرا لا مفر منه، لا سميا حينما يتعلق الأمر بإنقاذ الموقف أو حسم الجدل أو تقليل الخسائر أو إيقاف هدر الدماء في حروب طاحنة بهدنة أو قرار وقف إطلاق النار. غير أن متخذ القرار يجب أن يدرك الفارق الكبير بين السرعة المدروسة في اتخاذ القرار وبين التسرع. فالأول ممدوح والثاني منبوذ لأنه يفسد القرار.

ولا بد أن نكون واقعيين، حينما نقول إن بعض المرؤوسين هم من لا يساعدون المسؤولين في اتخاذ قرار سريع وحاسم حينما لا يمدونهم بالمعلومات الوافية لاتخاذ القرار، أو لا يعرضون عليهم بدائل وجيهة. فعملية اتخاذ القرارات في المؤسسات مثل بناء الهرم يجب أن تبنى على قاعدة صلبة من المعلومات الموثوقة أو المخاطر مدروسة Calculated Risk وهذا كله ثمرة جهد جماعي بدرجة أو بأخرى.

ونذيع سرا إن قلنا إن كل قرار سريع كان أو متأن لا بد أن يحمل في طياته تبعات ما. ومن هنا لا يجب أن نقسو على أصحاب القرار الذين اجتهدوا وبذلوا ما في وسعهم. لسبب بسيط وهو أن من حسم قراره بسرعة مدروسة يعد أفضل ممن يؤجل لحظة الحسم من دون مبرر ناسيا أو متناسيا أو بعض القرارات حينما نماطل فيها تتدحرج تداعياتها نحونا مثل كرة الثلج عندئذ لا ينفع ندمٌ ولا عتاب.

* كاتب متخصص في الإدارة

[email protected]