من الكسول.. أوباما المنكفئ أم بوتين المندفع؟

TT

بعد أقل من أسبوع على قرار باراك أوباما إلغاء اجتماعه المقرر مع فلاديمير بوتين على هامش قمة العشرين التي ستعقد في بطرسبرغ، بدا من خلال التصريحات المتبادلة بين موسكو وواشنطن، أن أوباما وليس بوتين هو «ذلك الطفل الكسول غير المبالي الذي يجلس في آخر حجرة الدراسة»، وهو الوصف الذي كان الرئيس الأميركي أطلقه على نده الروسي!

قرار موسكو إعطاء إدوارد سنودن الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأميركية الذي كشف عمليات التجسس الأميركية على الاتصالات الداخلية، اللجوء المؤقت لم يكن أكثر من النقطة التي طفح بها كيل العلاقات المأزومة بين واشنطن وموسكو، فليس خافيا أن وتيرة التأزم تصاعدت مع اتساع الاتجاهات المتعاكسة لسياسات البلدين على المسرح الدولي، ففي حين يقترب أوباما من «مبدأ مونرو» ويبدو كمن ينكفئ عن المسرح الدولي في أمكنة كثيرة (العراق - أفغانستان - سوريا - مصر – إيران) رافعا شعار «التغيير» منذ وصوله إلى البيت الأبيض، بدا بوتين العائد إلى الرئاسة هجوميا يكثف اندفاعه على المسرح الدولي لإعادة المفاهيم والتوازنات التي سادت في حقبة «الاستقطاب الثنائي» التي كانت قد سقطت مع المعسكر الاشتراكي الذي كان الاتحاد السوفياتي محوره وقاطرته.

من الضروري في هذا السياق التأمل مثلا في تطورات الأزمة السورية، ففي حين يلتزم أوباما الحذر متعاميا عن المذابح وحقوق الإنسان وكل الشعارات التي تنادي بها أميركا، يندفع بوتين بعناد صارم في دعمه للنظام السوري وتعطيله الشرعية الدولية في مجلس الأمن، وغالبا ما نشرت الصحافة الأميركية تحليلات عن أن بوتين يستعمل الأزمة السورية شرفة لإحياء دور روسيا، وهو ما يفتح النوافذ على استعادة رياح الحرب الباردة.

المثير في هذه التطورات أن الدبلوماسية الروسية تطل بمرونة غير معهودة ربما زيادة في إحراج البيت الأبيض، فقد وقف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في واشنطن قبل أيام ليرد على أوباما مباشرة «ليس لدينا حرب باردة.. لدينا بدلا من ذلك علاقات وثيقة»، ولكنه عندما تعمد القول إن «إدوارد سنودن لم يؤثر على مباحثاتنا» بدا كمن يتعمد غرز السكين في جروح واشنطن، لأن قضية سنودن تتصل بسياسة أميركا مراقبة وانتهاك خصوصيات مواطنيها وحلفائها على السواء، رغم أن بوتين كان قد نشأ على هذا الأسلوب في أقبية «الكي جي بي»!

من خلال السيكولوجيات الكامنة في كلامه بدا أوباما منزعجا إلى أعماقه من تعمد بوتين الجلوس باسترخاء مفرط في اجتماعاته معه، فقد قال: «أعرف أن الصحافة تحب التركيز على لغة الجسد ويبدو أن لدى بوتين هذا النوع من الجلسة.. أنه طفل غير مبالٍ في آخر الحجرة»، لكن من المؤكد أن بوتين يتعمد الجلوس بطريقة توحي بأنه لا يملك أي إحساس بأهمية من يجتمع معه!

لست أدري لماذا اختار أوباما الاستزادة في الحديث عن انزعاجه في برنامج تلفزيوني هزلي، ففي مقابلة مع الفكاهي جو لينو قال: «هناك فترات نحسب أنهم ينحدرون إلى التفكير الذي كان سائدا خلال الحرب الباردة وعقلية الحرب الباردة، وما أقوله لهم دائما وللرئيس بوتين أن هذا هو الماضي وعلينا أن نفكر في المستقبل ولا سبب لكي لا نتعاون بفعالية». طبعا ليس واضحا متى قال لهم هذا ولماذا لم يسبق أن أشار إلى هذا، فهل تملكه الغيظ أخيرا لأن استضافة سنودن أظهرت موسكو وكأنها حريصة على حقوق الإنسان أكثر من واشنطن، وقد جاء هذا بعدما طفح الكيل من الاندفاع الروسي الذي يبدو وكأنه يطارد الانكفاء الأميركي عن المسرح الدولي؟

لا يكفي أن ينكفئ أوباما إلى البيت الأبيض ويرسل طائرات «الدرون» لاصطياد الإرهابيين، ومن الواضح أن الاهتمام بإنعاش الاقتصاد الأميركي المتعثر عن طريق التراجع عن المسرح الدولي سيحدث فراغا كبيرا لن يتردد بوتين مع حلفائه الصينيين والإيرانيين في ملئه. وعندما ترتفع الدعوات في مصر مثلا للاتجاه إلى موسكو لكبح ضغوط أميركا العمياء لصالح الإخوان المسلمين، ويتحول أوباما بطة عرجاء ليس في سوريا وحدها بل في آسيا وحتى في القارة الأفريقية، هل من المستغرب مثلا أن يعيد بوتين استحضار أجواء أزمة خليج الخنازير في كوبا عام 1962؟

أطرح هذا السؤال عشية وصول فرق عمل بحرية روسية يتقدمها الطراد «موسكوفا» إلى ميناء هافانا كمقدمة لوصول أسطول من السفن الحربية الروسية إلى كراكاس وفنزويلا وماناغوا ونيكاراغوا، وفي وقت يزداد الحديث فيه عن إعادة بناء الحضور العسكري الاستراتيجي الروسي في كوبا، التي طالما اعتبرتها أميركا حديقة خلفية يمكنها تهديد أمنها القومي!