رسم صورة لأوباما

TT

ظل باراك أوباما، على مدار معظم فترة حياته العامة، يتنقل بين الناس الذين يعتقدون أنه منحاز بدرجة مبالغ فيها للسود وهؤلاء الذين يرون أنه غير منحاز لصف السود بالقدر الكافي.

تتحدث المجموعة الأولى في الأغلب بتلميحات وتركز على قضايا الوكالة للتأكيد على اختلاف أوباما الظاهر: شهادة ميلاده، وتبنيه المفترض لـ «نظرية تحرير السود» (ربما قبل تحوله إلى الإسلام)، رؤيته «الكينية المناهضة للاستعمار». يلخص كتاب جوناثان ألتر الأخير عن رئاسة أوباما تلك الأفكار بوصفها أعراض «لمتلازمة جنون أوباما» – اضطراب باطني في الأغلب، ممثل في كونه منحازا بدرجة مبالغ فيها للسود.

على الجانب الآخر، يوجد أميركيون من أصل أفريقي وليبراليون محبطون من أن أوباما لم يستغل مهمته الخاصة في الإشارة إلى التمييز العنصري الذي ما زال يفسد المجتمع الأميركي، والسعي لإصلاح عدم التوازن العنصري في اقتصادنا ومدارسنا بل وفي نظامنا القضائي.

قال مقدم البرامج الإذاعية والتلفزيونية تافيس سمايلي لجودي كانتور، بصحيفة «نيويورك تايمز» العام الماضي: «كان من المؤلم، في بعض الأوقات، مشاهدة تعامل الرئيس الحذر وأحيانا القاسي مع جمهور الناخبين الموالي له». كانت تلك إحدى أذكى تقريعات المعسكر القائل بأنه ليس منحازا بدرجة كبيرة للسود.

يعتقد أوباما أنه يخدم بلده على أكمل وجه، بما يصب في نهاية المطاف في مصلحة الأميركيين السود، بكونه رئيسا لأميركا لا رئيسا لأميركا السوداء. وحتى عندما يتحدث ببلاغة عن الموضوع، مثلما فعل في خطابه الذي ألقاه عام 2008 في فيلادلفيا، يقدم نفسه كجسر بين البيض والسود وليس كقائد مسؤول عن إرساء الحقوق المدنية. وحتى عندما اضطلعت إدارته بإصلاحات تخاطب التمييز العنصري – بتجديد قسم الحقوق المدنية المتداعي بوزارة العدل، على سبيل المثال – لم يعقد مؤتمرا صحافيا ويجعل من ذلك أمرا مهما. هذا بالطبع إجراء يتسم بالحذر. ولكن ماذا عن كونه يتسم بالصلابة؟

أحيت تعليقات أوباما حول وفاة ترايفون مارتن – «الذي ربما كان أنا قبل خمسة وثلاثين عاما» – الانقسام القديم. من الجانب المعتقد بانحياز أوباما المبالغ فيه للسود، اتهم الرئيس على نحو متوقع بالانغماس في «نظرية ضحايا العنصرية» و«شرك العرق». على الجانب الآخر، استغل بعض هؤلاء الذين كانوا قد تاقوا لأن يكون أوباما أكثر وضوحا وصراحة حديثه القصير المتكرر كنقطة تحول. إن الرئيس، حسبما أشار مذيع بإذاعة ديترويت: «أظهر ورقة الأخوة». وأوضح تشارلز أوغلتري، أستاذ القانون بجامعة هارفارد الذي عرف أوباما على مدى 25 عاما، للإذاعة العامة الوطنية، أنه شعر بأنه «يدير عجلة» عندما سمع التعليقات، وأعلن أنه سيتعين عليه الآن أن يعيد التفكير في تأليف كتاب خطط أن ينتقد فيه تقاعس الرئيس في ما يتعلق بقضية العرق.

أخبرني أوغلتري قائلا: «يبدو أنه ضرب بالحذر عرض الحائط. إنه يفتح فصلا جديدا تماما في حياة باراك أوباما».

وجدت كلمات أوباما تنساب بما تحمله من دفء شعوري وتعاطف. لكن إذا عدت للوراء وقرأتها، فستجد أن حرارة اللحظة قد بردت، وسوف ترى أنها مقيسة بعناية شديدة ومتوافقة تماما مع ما قد ذكره كتابة وشفهيا منذ دخوله الحياة العامة. لا يمكن العثور على محارب ضد التفرقة العنصرية التي يستنكرها النقاد من تيار اليمين ويطالب بها النقاد من تيار اليسار في أي مكان. إن تعليقاته عن الألم والمهانة المرتبطين بالتمييز العنصري، اللذين نالا أكبر قدر من الاهتمام، تستحضر موضوعات تعود على الأقل لأيامه كعضو بمجلس الشيوخ. لم تجرِ ملاحظة تعامله المحترم مع المحكمة التي برأت قاتل مارتن وتلميحه إلى اضطرابات طبقة الفقراء والمعدمين السود بدرجة كبيرة.

يقول توماس سوغرو، المؤرخ بجامعة بنسلفانيا والذي ألف كتابا عن أوباما والعنصرية: إنه يقول بالأساس: حاولوا فهم هذه القضية من منظور أناس مختلفين عنكم. ويقول هذا لجماهير من السود والبيض. ولكن المستمعين من الجانبين يسمعون ما يتوقعون سماعه، بحسب سوغرو، من جانب مارتن لوثر كينغ الذي تنبأ بما يحدث.

ثمة اسم لذلك: رسم صورة عنصرية. لم يعد الناس يوجهون لأوباما نظرات مريبة في المحلات التجارية أو يمسكون محافظهم بإحكام لدى دخوله مصعدا، لكنهم يصنفونه بحسب مخاوفهم وتوقعاتهم من رجل أسود في البيت الأبيض. ما زالوا يحاولون رسم صورة لباراك أوباما. إن هؤلاء الذين يأملون في أن يجسد حديث ترايفون نشاطا رئاسيا جديدا حول العرق سوف يرصدون اختبارين؛ الأول هو ما إذا كانت وزارة العدل في حكومة أوباما سوف تقيم دعوى مدنية ضد جورج زيمرمان، الحارس الذي قتل مارتن. وتقول الجمعية الوطنية لتحسين أوضاع الملونين إن أكثر من مليون شخص قد وقّعوا على التماسات يطالبون فيها بتطبيق العدالة على زيمرمان لارتكابه جريمة كراهية. أما الاختبار الثاني، فهو ما إذا كان الرئيس سيمنح منصبا في الحكومة لراي كيلي، مفوض شرطة نيويورك، الذي قاد سياسة قمعية صارمة ضد السود وذوي الأصول اللاتينية.

* خدمة «نيويورك تايمز»