رحم الله عبد الرحمن السميط

TT

في خضم الأحداث المؤلمة الأخيرة التي اندلعت في مصر ومواجهات الدولة مع جماعة الإخوان المسلمين التي خلطت الدين بالسياسة وأقامت الدنيا ولم تقعدها، في خضم الموت والقتل الحاصل انتقل إلى رحمة الله رجل من خيرة الرجال؛ الداعية الإسلامي ورجل الخير العظيم الداعية الكويتي عبد الرحمن السميط، بعد صراع ليس بالقصير مع المرض، وغادر دنيانا عن عمر لم يتجاوز الـ66 عاما. رحيل عبد الرحمن السميط ترك أثرا حزينا جدا في الأوساط الكويتية والخليجية، وهو الرجل الذي ترك مجدا وإرثا في العمل الخيري لا يضاهيه فيه أحد حتى تحول وحده إلى أهم مؤسسة خيرية إسلامية دعوية في التاريخ المعاصر، بعد أن كرس حياته - رحمه الله - في العمل الخيري الدعوي في القارة السمراء حصريا. عاش الدكتور عبد الرحمن السميط لأكثر من ربع قرن وهو يتنقل في عدة دول آسيوية وأفريقية ضمن أعماله الدعوية والخيرية، ولكنه استقر بشكل أساسي ومكثف في أفريقيا ليعمل بكل جهد لدعوة القبائل الأفريقية المنتشرة في دول مثل مالاوي والسنغال والكونغو وسيراليون والنيجر ودول أخرى كثيرة غيرها إلى الدين الإسلامي الحنيف. وبارك الله في خطواته لأن الرجل أخلص النية وأحسن التوكل عليه وأسلم على يديه عبر السنوات الطويلة أكثر من أحد عشر مليون شخص في أفريقيا، وكان في بعض الأيام يسلم على يديه أفراد قبيلة بأكملها، وهناك مئات الآلاف من الأفارقة لم يعرفوا الحياة الجارية ولا الكهرباء ولا التعليم الحديث ولا آليات الاتصالات ولا العلاج الحديثة ولا الطرق المعبدة ولا البيوت الحديثة إلا على يدي عبد الرحمن السميط. وكان الراحل قد أسس جمعية «العون المباشر» (لجنة مسلمي أفريقيا سابقا) ككيان مؤسسي لتنفيذ أعماله الخيرية والدعوية في أفريقيا وكان رئيسا لمجلس إدارتها، وحصلت هذه الجمعية الناجحة على ثقة أهل الخير في كل مكان، حيث كانت تصرف من خلالها مواردهم المالية والعينية من خدمات وزكوات وتبرعات. بدأ الرجل حياته العملية طبيبا بشريا وتحديدا في التخصص الواسع في مجال الأمراض الباطنية والجهاز الهضمي، ولكنه لم يكن يكتفي بممارسة الطب كعمل رئيس؛ كان شغوفا جدا بالعمل الخيري والدعوي والتطوعي، وكان على قناعة كبيرة وتامة أن لديه الأكثر من الممكن أن يقدمه، وحرص على أن يسخر نفسه لذلك الأمر، وقرر أن يسخر حياته لخدمة الفقراء والمساكين والمعوزين، فترك وظيفته كطبيب بشري وتفرغ تماما لصالح عمله الخيري والتطوعي والدعوي قاصدا أراضي الله وهاجر إلى أفريقيا.

والراحل من نسل شريف ممتد إلى مسقط رأس أسرته الأعلى حضرموت بجنوب اليمن، وهو من سلالة تمتد إلى آل البيت النبوي الشريف. أجداده عرفوا بدعوتهم وترحالهم للعمل التطوعي الخيري في أفريقيا وآسيا. ولكن يبقى إنجاز الدكتور عبد الرحمن السميط أسطوريا وخياليا، لأنه بدأ حياته في قارة كانت مليئة بالمستعمرين من فرنسا وإنجلترا وهولندا والبرتغال وإيطاليا، بالإضافة إلى القوات الداخلية المتنافرة، وواجه من المخاطر الطبيعية وغير الطبيعية ما يشيب له الرأس، ولم تكن أفريقيا قط مقصدا رئيسا للحكومات والمنظمات العربية والإسلامية. وعليه، كان الدكتور عبد الرحمن السميط يجد صعوبة كبيرة جدا لإقناع الدول بالتبرع لأفريقيا نظرا للسمعة السيئة التي كانت تأتي من القارة السمراء بسبب أخبار التقلبات السياسية وعدم الاستقرار والفساد الكبير فيها، ومع ذلك استمر يتابع مثابرا باستمرار وبلا انقطاع حتى كتب الله له النجاح العظيم والقبول الكبير والانتشار الهائل. كان عبد الرحمن السميط مؤسسة متكاملة ينافس في أفريقيا دولا ومنظمات عظيمة، منها ما هو تبشيري بحت يغري ويزايد على السميط بالمبالغ والتسهيلات والمنح والعطايا، ومنظمات أممية أكبر وأهم تغري مسؤولي القارة بالهدايا والمكافآت، ورغم كل هذه التحديات والمصاعب والتهديدات التي كانت تصل إليه من شخصيات ومنظمات مجهولة وغير مجهولة، هناك مئات الآلاف من الأفارقة وغير الأفارقة ترحموا ورفعوا أكف الدعاء والرجاء لرب السماء، ومنهم من ذرف الدموع وهم يدعون للراحل بالجنة والرحمة والمغفرة. يا له من حسن خاتمة، ويا لها من صدقات جارية عظيمة ومستمرة.. رحم الله عبد الرحمن السميط رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.