من أجل أن تبقى مصر

TT

حينما يتعرض الوطن لمحنة وتتعرض الأمة كلها لمخاطر جسيمة تهدد حاضرها ومستقبلها وحياة أبنائها ومشروعاتها للتقدم والتنمية، فإن التزام الصمت لا يمكن أن يكون من الحكمة. كما أن الحذر الشديد في إبداء وإعلان الرأي وتسمية الأشياء والمواقف بأسمائها الحقيقية لا يمكن أن يدخل في باب الكياسة وحسن السياسة، وإنما يكون تقصيرا جسيما في أداء الواجب، وهروبا من المسؤولية الوطنية. لذا أطرح هذه النقاط اختلفتم أو اتفقتم معي ولكنها كلمات لله وللوطن وللتاريخ.

ثار الشعب وخرج بالملايين وانتفض ضد حكم الإخوان المسلمين وانتصر الجيش لإرادة الشعب المصري ونجانا من حكم هؤلاء الهواة العابثين. ولا نزال نعيش تداعيات رفض الإخوان لهذه الثورة وعدم تقبلهم للواقع الجديد، ودماء تسيل وأرواح تفارق الحياة يوما بعد يوم.

أين القوى السياسية الآن؟ الكل مختبئ، يتفرج على المشهد، الجميع جعل أولى أولوياته رضا الناس ورد فعل القوى الشبابية والثورية إذا ما تقدم بمبادرة أو بحل فيه شيء من العقلانية قد لا تتفق مع الروح الثورية التي تنادي بإبادة هذه الجماعة واستئصالهم من حياتنا فيخشى أن تنقلب القوى الثورية عليه وتكال له اتهامات بالجملة بالتواطؤ مع الجماعة أو مهادنتهم أو يصنف كصاحب مصلحة ومطمع، لذا تتوقف الأقلام الحرة عن الكتابة وتسكت الألسنة عن الكلام، وينضمون للمتفرجين لأنهم بصراحة في غنى عن هذه الاتهامات والتصنيفات، والضحية وطن.

الأسماء اليوم ممن جلسوا على كراسي الوزارة، ومساعدين للوزراء ونواب لرئيس الجمهورية من جبهة الإنقاذ ومن على شاكلتهم، خلاص سقط نظام الإخوان بعد صراخهم وعويلهم المستمر، وأخذوا التورتة وجلست أحزابهم على الكراسي، وبدأوا ينفضون أيديهم مما يحدث الآن، وألقوا الكرة في ملعب الجيش والشرطة، بل وبدأ بعضهم اليوم يطالب الجيش بالحكمة ويتحدث عن ضرورة التصدي للعنف واحترام حقوق الإنسان، تجميلا لصورتهم بالداخل والخارج وخوفا من المجهول وتحسبا لأي تغيرات تطرأ على المشهد ليكونوا في الأمان إذا ما تبدلت الظروف وحدثت مستجدات.

الجميع جعل الجيش والشرطة في الصدارة وتركوا لهم المسؤولية بالكامل في حل ومواجهة هذا الموقف المتأزم، واقتصر الدور على انتظار مواقف الجيش فإذا ما أعلن السيسي دعوة كالدعوة الأخيرة بتفويض الجيش والشرطة لمواجهة الإرهاب تبارت الأحزاب في بيانات التأييد والمساندة وهذا جيد، لكن هل يتحمل الجيش وحده مسؤولية حل هذه الأزمة، وتظل الأحزاب والقوة الوطنية تشاهد ما يحدث كباقي أفراد الشعب، ينادون الجيش بالتدخل وفض اعتصام رابعة العدوية ويكونون أول من يدين العنف ويحترم حرية التظاهر، وتتكرر نفس السيناريوهات التي حدثت مع المجلس العسكري ما بعد سقوط مبارك حين حمّلهم الجميع مسؤولية أحداث ماسبيرو ومحمد محمود. وتعالت الأصوات بسقوط حكم العسكر. كان الله فى عون الجيش المصري الذي يتحمل مع الشرطة مواجهة العنف والإرهاب، لكن بقاء الوضع كما هو من دون حلول جذرية من شأنه أن يستنزف طاقات جنودنا ويقلل من معنوياتهم؛ فمواجهة العدو أسهل بكثير من مواجهة بني وطنك، وهؤلاء يقضون أوقاتاً عصيبة بالشارع المصري، ويتحملون ذلك من جهدهم وطاقاتهم وإجازاتهم، وما بالنا لو سقط لجندي الجيش أخ أو أب شهيد، هل سوف نضمن تصرفاته في ذلك الوقت؟ ما أشبه الليلة بالبارحة، فالرئيس السادات عام 1981 حين أعلن قائمة بأسماء 1500 شخص ليجري اعتقالهم كان رد فعل أحد الضباط الصغار أن شارك في اغتيال السادات لمجرد أن له أحد أقربائه ضمن تلك القائمة.

* برلماني سابق ومؤسس حزب الإصلاح والتنمية