السيد الرئيس أوباما

TT

حدث أمر غريب في حياتي، غريب ومؤلم، أن أجد نفسي في المعسكر المواجه لك، أو بمعنى أكثر دقة، أن أجدك تقف في المعسكر المضاد لحرية المصريين. على الرغم من كل ما تحفل به بياناتك هذه الأيام من حرص على توازن الكلمات وليس المعاني، غير أنها جميعا لا تقنعني بأن أوباما الذي أعرفه هو نفسه أوباما الذي يحاول خدمة سيدين أو في أفضل الظروف تحول إلى مشجع لفريقين. وأعتقد أن السبب في ذلك هو أن المعلومات الكافية عما يحدث في بلدي لم تصلك بعد من مصادرك في القاهرة. وأرى أنه كان يجب عليك أن تنتظر لأسبوعين قبل أن تنضم كأقوى رئيس على الأرض إلى جماعة الإخوان المصرية، وهو الموقف الذي فشلت كلمات بياناتك المتوازنة في إخفائه. أرجو أن أكون على خطأ، بل أبتهل إلى الله ألا تكون هذه هي الحقيقة، غير أني أزعم أنني صادق في شيء واحد، هو أن أعلن لك أن هذه هي فكرتي التي كونتها عن موقفك.

هناك حرب دائرة في مصر بين المصريين في ناحية وجماعة الإخوان في الناحية الأخرى، يدافع فيها المصريون عن حقهم بأن يعيشوا بغير حكام طغاة، وتهدف فيها جماعة الإخوان ليس للعودة إلى الحكم لأنهم يعرفون، وأنت تعرف، أن ذلك أمر مستحيل، ولكنهم يحاربون ما تعرفه الحروب باسم الأرض المحروقة، أي أن يشعلوا النار في كل شيء في مصر انتقاما من المصريين لأنهم تمكنوا من حرمانهم من الاستمرار في حكمهم بذلك القدر من الجهل والاستبداد الذي لم تعرفه مصر من قبل.

ماذا تريد أميركا؟ هل هي غيرة على الديمقراطية؟ أي أنكم اكتشفتم أن الديمقراطية أصيبت إصابة جسيمة في مصر فقررتم علاجها.. أم هي غيرة على الحرية وحقوق الإنسان؟ أم هي رغبة قوية لا نعرف سببا لها لمساعدة جماعة الإخوان؟ المشكلة أن الأمور اختلطت في عقول الكثيرين إلى الدرجة التي أنستهم أن هذه الجماعة ليست تنظيما سياسيا أصلا، تماما مثل تلك التنظيمات الشهيرة عندكم التي قادها الأب جيم جونز وديفيد قورش، غير أن المصريين سمحوا بوصولهم إلى الحكم بنسبة تصويت قليلة نتيجة لأن الديمقراطية ذاتها كانت جديدة علينا، وكانت عقولنا جميعا ملتهبة تفتقر إلى ذلك الهدوء اللازم للاختيار.. ترى ما هو المطلوب منا أكثر من الاعتذار، حسنا أيها العالم الديمقراطي، نعتذر لك كما نعتذر لأنفسنا؛ لقد أخطأنا عندما اخترناهم فاسمحوا لنا بتصحيح موقفنا.

نحن في طريقنا يا سيدي الرئيس إلى الحرية والديمقراطية، سيكون لدينا دستور حقيقي مستقر وأحزاب تعمل بالسياسة وتقف على الأرض ولا تزعم أنها قادمة من السماء. وسيكون الثمن المدفوع من دماء الضحايا كبيرا غير أن كل مصري لن ينسى ذلك، سيذكر في كل لحظة يستمتع فيها بالحرية، أن زملاء ومواطنين له قد دفعوا أرواحهم ثمنا لذلك.

سيدي الرئيس، أرجوك.. انتظر قليلا إلى أن تصلك المعلومات الموثقة من مصادر معلوماتك في القاهرة.. لا أريدك أن تكتشف فجأة أنك تساند جماعة من القتلة الذين يمثلون بجثث ضحاياهم.