طرزانات فيتنام

TT

بعد أربعة عقود من العيش في الغابات، أعادت السلطات الفيتنامية رجلا يدعى هو فان ثان ونجله هو فان لانغ إلى العيش مع المجتمع الفيتنامي. وكان الرجلان، الملقبان الآن باسم «طرزانات فيتنام»، قد فرا من قنابل الحرب عام 1972 وعاشا في الأدغال في وسط فيتنام، وهما يرتديان ملابس تستر عورتيهما بالكاد.

وأظهرت لقطات بثها التلفزيون الرسمي لانغ الذي يشبه «الزومبي» بجلده الشاحب وشعره الجاف. وكان أقارب لانغ قد حاولوا إقناعه وأبيه بالخروج من العزلة من قبل، لكنهم لم يفلحوا في ذلك، ويخشون الآن من عودة الاثنين مرة أخرى إلى حياة أكواخ الخيزران، وصنع أدوات الصيد.

ويتساءل البعض عن سبب إنقاذ المسؤولين رجالا لم يكونوا في حاجة إلى الإنقاذ ولا يريدونه. كتب أحدهم معلقا على الخبر في صحيفة فيتنام فويس «اسأل طائرا بريا جرى الاحتفاظ به في قفص. ليس هناك ما يدعو إلى القلق بشأن العواصف، أو الجوع ـ. هل هو أكثر سعادة مما كان عليه عندما كان حرا في الطبيعة؟». وقال تعليق ساخر آخر: «إن العيش في الغابة مفيد جدا لصحتك، لأن هو فان ثان يبلغ من العمر 81 عاما ولكن شعره لم يتحول إلى اللون الرمادي».

وإذا ما نحينا جانبا مثل هذا الخيال الحزين عن الحياة في الهواء الطلق، أثار اكتشاف هو فان ثان وانغ سلسلة من الأسئلة عن الحياة الحديثة في فيتنام، خصوصا سلبيات التصنيع والتحضر.

على صعيد الهواء النقي في الغابة، يقارن بعض الفيتناميين بين الملوثات والجسيمات التي تغص بها الحياة الحضرية، إذ تنافس بعض المدن في فيتنام العاصمة الصينية بكين في سوء نوعية الهواء، مما يدفع العديد من الناس لارتداء أقنعة كل يوم.

عندما قال الصحافي داو توان على الموقع الإخباري الشعبي «في إن إكسبريس» إن ثان وانغ الأب ونجله كانا يملكان الرفاهية «للأكل عندما كانا يشعران بالجوع، ولا يقلقان بشأن التسمم»، كان يقصد بذلك القلق السائد بشأن سلامة الأغذية. وأشار إلى أن الرجلين كانا يقطفان الفاكهة، ويزرعان الذرة والقمح وقصب السكر الخاص بهما، في الوقت الذي يبدي فيه الكثير من الفيتناميين انزعاجهم بسبب الاستخدام العشوائي للمبيدات على المحاصيل والهرمونات في الحيوانات. ويتندر السكان المحليون بأن المزارعين لا يأكلون ما يبيعونه، وهو ما يبدو صحيحا في بعض الأحيان.

وخلال جلوسي هذا الاسبوع، لتناول وجبة على جانب الطريق مع صديق، مددت يدي لأحصل على لحم البقر والمعكرونة. وسألني صديقي: «هل أنت متأكد أنك تريد أن تفعل ذلك»؟ وكان يشير بذلك إلى الأنباء الأخيرة بأن معظم المعكرونة، حتى تلك التي تباع في محلات السوبر ماركت، «تحوي مادة كيميائية محظورة مسببة للسرطان».

من ناحية أخرى أبدى بعض الفيتناميين حسرة على فقدان ممتلكاتهم لدى سماعهم قصة ثان ولانغ في الغابة. ففي عام 1993، أثناء انتقال البلاد من الاشتراكية نحو الخصخصة، حصل الكثير من الأفراد على عقود إيجار لمدة 20 عاما لزراعة أو تطوير مساحات من الأراضي. وتلك العقود تنتهي هذا العام، مما يجعل الأرض واحدة من أكثر نقاط الصراع بين الدولة والشعب. إضافة إلى ذلك هناك مشاكل خارج المناطق الريفية، أيضا، إذ لا يمكن لمعظم الناس في المدن والبلدات، شراء العقارات ولا يمكن لمعظم المطورين بيعها؛ إذ هناك ارتفاع على الطلب على المنازل الرخيصة التكلفة في الوقت الذي تشهد فيه البلاد زيادة المعروض من المساكن الراقية.

فقد ثان ولانغ أقاربهما في الحرب الفيتنامية وانفصلا عن العائلة والمجتمع. وقد دفعت عودتهما مؤخرا إلى الحياة الطبيعية بعض المراقبين إلى الشعور بالأسى، لا على الرجلين، بل على حياتهما ووجودهما غير المريح.

* خدمة «واشنطن بوست»