الملك عبد الله ومصر: مواقف تاريخية وخيارات استراتيجية

TT

يقود الملك عبد الله بن عبد العزيز موقفاً تاريخياً ورؤية استراتيجية في دعم الدولة المصرية والشعب المصري في خيارهما الواضح للوقوف ضد الإرهاب والفتنة.

لقد تتابعت الدول المؤيدة للخطاب الرشيد من دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين والأردن وغيرها، وهذا ليس غريباً على سياسة السعودية التي يقودها الملك عبد الله، فهو كان أول من اتخذ موقفاً صارماً تجاه ما جرى في سوريا لم تلبث أن تبعته عليه غالبية دول العالم، وهو اليوم يعيد التحالف الاستراتيجي مع مصر إلى مكانه الصحيح بعد محاولات اختطافها من قبل محاور معادية وجماعات إرهابية.

إن العبارات واضحة والموقف حازم، وقد جاء في كلمة الملك: «لقد تابعنا ببالغ الأسى ما يجري في وطننا الثاني جمهورية مصر العربية الشقيقة، من أحداث تسر كل عدو كاره لاستقرار وأمن مصر، وشعبها، وتؤلم في الوقت ذاته كل محب حريص على ثبات ووحدة الصف المصري الذي يتعرض اليوم لكيد الحاقدين في محاولة فاشلة - إن شاء الله - لضرب وحدته واستقراره، من قبل كل جاهل أو غافل أو متعمد عما يحيكه الأعداء». وأضاف: «إنني أهيب برجال مصر والأمتين العربية والإسلامية والشرفاء من العلماء، وأهل الفكر، والوعي، والعقل، والقلم، أن يقفوا وقفة رجل واحد، وقلب واحد، في وجه كل من يحاول أن يزعزع دولة لها في تاريخ الأمة الإسلامية، والعربية، مكان الصدارة مع أشقائها من الشرفاء».

وفي إشارة صريحة وموقف قوي يقول: «ليعلم العالم أجمع، بأن المملكة العربية السعودية شعبا وحكومة وقفت وتقف اليوم مع أشقائها في مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة، وتجاه كل من يحاول المساس بشؤون مصر الداخلية، في عزمها وقوتها وحقها الشرعي لردع كل عابث أو مضلل لبسطاء الناس من أشقائنا في مصر. وليعلم كل من تدخل في شؤونها الداخلية بأنهم بذلك يوقدون نار الفتنة، ويؤيدون الإرهاب الذي يدّعون محاربته، آملا منهم أن يعودوا إلى رشدهم قبل فوات الأوان، فمصر الإسلام، والعروبة، والتاريخ المجيد، لن يغيرها قول أو موقف هذا أو ذاك، وأنها قادرة على العبور إلى بر الأمان. يومها سيدرك هؤلاء بأنهم أخطأوا يوم لا ينفع الندم».

رحبت مصر بكل أطيافها رئاسة وحكومة وأحزابا وشعبا بهذا الموقف التاريخي، وعلمت بأن السعودية ستظل دائما في مكان الحليف الاستراتيجي الداعم لاستقرار مصر وأمنها ومكانتها الإقليمية والدولية.

إن التحالفات الدولية تبنى على المصالح المتبادلة والرؤى المشتركة وليست اتحادا ولا استتباعا وعندما يصبح الحليف ضدا أو مترددا في غالب الملفات الكبرى في المنطقة تصبح إعادة النظر في طبيعة العلاقات حقا مشروعا.

إن الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى هي دول عظمى من دون شك وجزء من أهميتها هو أهمية حلفائها على مستوى العالم وفي المنطقة بالذات، ومصر دولة كبرى في المنطقة والسعودية ودول الخليج كذلك، وهذه الدول مجتمعة شديدة الأهمية في التوازنات الدولية ولا ينبغي أن تجد نفسها مضطرة لإعادة حسابات تحالفاتها لأن ذلك سيكون تغيراً استراتيجياً يؤثر على كل مراكز القوى في المنطقة والعالم.

إن من الممكن تفهم ردة الفعل الغربية التي تؤيد ما تعتقده «ديمقراطية» بناء على بنيتها الحضارية والسياسية، ولكن أن تتحول ردة الفعل تلك إلى سياسات وقرارات تؤثر سلبا على الدول ذات السيادة كمصر فينبغي لها أن تعرف مقدما حجم الثمن الذي ستتحمله.

إن التوجه لمجلس الأمن ليس لعبة وإن كان لجلسة تشاورية انتهت بطلب المصالحة، فإذا اتجهت الولايات المتحدة والدول الغربية لاستصدار أي قرار ضد مصر فسيكون على مصر الدولة التفكير في إعادة صياغة علاقاتها التاريخية مع الولايات المتحدة منذ السبعينات.

التوصيف الدقيق لما يجري في مصر هو أن الدولة والشعب يواجهان جماعة إرهابية تغنى مؤسسها في مذكراته بالنازية والفاشية والبلشفية وبزعمائها المجرمين غربيا وهي تقتل المدنيين وتهاجم أقسام الشرطة بالسلاح الحي وتحرق المنشآت العامة والخاصة، ورفضت كل وساطات الحوار والحل السياسي، وتحرق الكنائس ودور العبادة، وتتماهى في مواقفها مع تنظيم القاعدة.

ينبغي للولايات المتحدة والدول الغربية أن يستحضروا أنه لم يُهذب التطرف الديني في السياق الحضاري والسياسي الغربي إلا عبر سلسلة طويلة من الصراع الذي كان دمويا في بعض مراحله، وتاريخ الصراع مع الكنيسة حتى وصلت لوضعها الحالي معروف ولا يحتاج لإعادة التذكير.

لقد اضطرت الدول الحديثة لمواجهة العنف والتطرف بقوة الدولة حتى يستجيب لمتطلباتها ويتأقلم معها، وكما حدث ذلك في الغرب حدث في دول أخرى كتركيا وسنغافورة وغيرهما، ولم يصل إسلاميو تركيا إلى خطابهم الذي ربما خدع الغرب إلا بعد تلك المواجهات.

لقد كان موقف الولايات المتحدة والدول الغربية من الأحزاب النازية والفاشية والبلشفية حازما على المستوى السياسي والفكري، وقد جرت محاصرتها بعد القضاء عليها وملاحقة أتباعها وتشريع وتقنين تجريمها الذي لم يزل ساريا حتى اليوم، هذا فضلا عن «المكارثية» التي ظلت سياسة ثابتة في سياسة الولايات المتحدة إبان الحرب الباردة، والتي طالت ليس المنتمين لأحزاب شيوعية فحسب، بل بعض المتأثرين فكريا بأفكار اليسار في مؤسسات الدولة وفي الجامعات وغيرها.

يعلم الباحثون المتخصصون أن تاريخ جماعة الإخوان مليء بالدماء وواقعها يثبت ذلك أكثر، وتاريخيا ففي لحظة حاسمة من تاريخ الولايات المتحدة كان رافعو شعارات الحذر من الدماء كثرا، ولكن توحيد البلاد واستقرارها ومنع المزيد من الدماء كان هدفا أسمى لرجل اسمه إبراهام لينكولن أطلق عليه البعض لقب «المؤسس الثاني».

إن واحدا من تعريفات الدولة هو أنها المخولة باستخدام العنف والقوة، فالدول لا تواجه التهديدات الكبرى باللين والتسامح بل بالحزم، وعنف الإرهاب المدان والمجرّم ينبغي أن يواجه بقوة الدولة التي ليس استخدامها مشروعا فحسب، بل هو واجبها في حماية مواطنيها وأمنها واستقرارها.

يتوجب على الدولة المصرية والشعب المصري توحيد الجبهة الداخلية ضد الإرهاب والعنف وإدارة معركتها السياسية والإعلامية بكل احتراف وعقلانية وصولا لبر الأمان وواحة الاستقرار عبر خارطة الطريق المعلنة والتي تحظى بإجماع وطني.

أخيرا، فإن كلمة الملك عبد الله تعبر عن حديث العقل والحكمة والمصلحة، وهي مبنية من دون شك على معلومات ومعطيات لا تتوفر لكثيرين، والانحياز للعقل في زمن العواطف يجبر الآخرين على إظهار الاحترام حين تنكشف الغمة وتنقضي الأزمة.