التهاب المحيط السوري

TT

لعل انفجار ضاحية بيروت الجنوبية الذي استهدف أحد مقرات حزب الله اللبناني وأوقع قتلى وجرحى وتدميرا واسعا في المكان، هو أحد التعبيرات الواضحة والفجة عن حالة الالتهاب التي صار إليها المحيط السوري، والتي تشمل البلدان المحيطة بسوريا والبلدان القريبة منها، وكلها تعاني من حالات التهاب سياسي وأمني واقتصادي - اجتماعي نتيجة تطورات الأوضاع في سوريا، أو بسبب انعكاسات بعض نتائجها وتفاعلاتها مع الواقع المحلي في بعض تلك البلدان.

لقد شهدت سوريا في العامين ونصف العام الماضي، تطورات خطيرة في تأثيرها على المحيط، حيث دفعت سياسات النظام الدموية في القتل والتدمير وتصعيدهما ملايين السوريين نحو بلدان المحيط، كما دفع تدهور النظام وسلطته على الأراضي السورية لتصير الأخيرة ممرا ومقرا لمختلف الأشخاص والتنظيمات وخاصة المتطرفة والمسلحة الراغبة في الانخراط والتأثير على الواقع السوري ومحيطه، وصار بالإمكان إدخال الأسلحة والذخائر إلى مختلف المناطق السورية، ولا سيما تلك القريبة من الحدود، كما أن ضعف النظام في سوريا جعل من دول الجوار والأبعد منها قادرة على لعب دور المتدخل والمؤثر في الواقع السوري، وبالإجمال فقد خلقت تطورات الوضع السوري بيئة وعلاقات جديدة بين سوريا ومحيطها بعد قيام الثورة وفي سياق تطورها.

إن الأثر المباشر لتطورات الواقع السوري بعد الثورة انعكس في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية في دول الجوار السوري والبلدان القريبة منها، ولعل الأبرز والأخطر في تلك التأثيرات يتمثل في جانبين هما السياسي والأمني.

إن الأبرز في تأثيرات الواقع السوري بعد الثورة تمثل في المتغيرات السياسية، حيث أعادت الثورة وتطوراتها تشكيل المشهد السياسي الإقليمي بصورة عامة، ذلك أن دولا مثل تركيا وقطر والسعودية كانت قريبة من النظام في دمشق ومتوافقة معه انتقلت إلى جبهة الاختلاف معه، كما أن حكومة العراق التي كانت تعادي النظام في دمشق، وتتهمه بممارسة الإرهاب ودعمه في العراق، انتقلت للوقوف إلى جانبه ودعمه، واصطفت الحكومة اللبنانية إلى جانب النظام رغم إعلانها الشهير «النأي بالنفس» عن الانخراط في الموضوع السوري، بينما طورت إيران موقفها من حليف للنظام إلى شريك مباشر له في مواجهة الشعب السوري وثورته.

وإضافة إلى التغييرات السابقة في الجانب السياسي، فإن متغيرات أخرى حدثت في بعض بلدان المنطقة ومنها الانقسام الحاد في لبنان بين جماعات مؤيدة للثورة في سوريا وأخرى مؤيدة للنظام، بل إن ذلك الانقسام انعكس على شكل تدخل مسلح في الصراع داخل سوريا، حيث دخلت قوات حزب الله للقتال إلى جانب قوات النظام ضد الثورة، ولا سيما في حمص وريف دمشق، مقابل دخول محدود لمتطوعين لبنانيين للقتال إلى جانب الثوار ضد النظام، وساهمت تلك التطورات في تغذية الانقسامات في صفوف الأكثرية الإسلامية من سكان المنطقة، حيث برز انقسام سني - شيعي ربما هو الأخطر في تاريخ المنطقة المعاصر، وترتب في سياقه تنظيم حملات دعم ومساندة طائفية في بلدان في المنطقة وخارجها للذهاب إلى القتال في سوريا ومساعدة النظام، كان أبرز تعبيراتها دخول قوات حزب الله اللبناني وميليشيات شيعية عراقية ومتطوعين شيعة من بلدان أخرى للقتال إلى جانب النظام، وكذلك توافد متشددين وأعضاء في جماعات إسلامية متطرفة ينتمون إلى «القاعدة» وأخواتها وتأسيس جماعات لهم للقتال في سوريا.

وكان من الطبيعي وفي ظل فوضى السلاح والسياسة في سوريا وانفلات الأوضاع الأمنية على الحدود، وصعود التناقضات والصراعات السياسية، انتقال بعض تعبيرات الصراع وآثاره في سوريا إلى المحيط، ومن ذلك قيام السلطات السورية بإرسال عملاء لها إلى بلدان الجوار، وهي مهمة لم تكن محصورة في متابعة ورصد الأوضاع والحالات السياسية، وإثارة العواصف حول المعارضة هناك، بل أيضا في تأليب الرأي العام في تلك البلدان على النازحين السوريين والقيام بعمليات خطف واغتيال لناشطين، وهناك كثير من الوقائع التي كشفت ذلك في لبنان والأردن ومصر وتركيا.

كما أن بعض تلك البلدان أصبحت ميدانا لعمليات مسلحة تداخلت أهدافها وتناقضت؛ بعضها كان هدفها أنصار النظام كما حدث في ضاحية بيروت أخيرا، وبعضها الآخر جرى ضد أهداف مناصرة للثورة السورية، وثمة أمثلة من لبنان أيضا، وهناك عمليات أخرى كان هدفها إشاعة الخوف وتعميم الإرهاب على نحو ما كان هدف العمليات الإرهابية في تركيا ومنها تفجير الريحانية قبل أشهر.

إن خلاصة تأثيرات الوضع السوري على محيطه، تؤكد أنها شملت جوانب متعددة في تلك البلدان، لكن الأبرز فيها هو تأثيراتها السياسية والأمنية التي يمكن القول إنها أعادت رسم ملامح عامة للمنطقة ولبعض بلدانها، وقد تعاظم دور تلك التأثيرات في تفاعلها مع الأوضاع الداخلية في بعض البلدان على نحو ما هو موجود من احتدام طائفي في لبنان، وحضور قوي للجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة في العراق، ومن أزمة سياسية في مصر.