الاتفاقيات التجارية المقبلة يجب أن تنص على حرية استخدام الإنترنت

TT

نعرف جميعا أن الإنترنت تتميز بالانفتاح والأمان والمرونة، وهذا ليس خطأ بالطبع، لأنه قد جرت تصميمها وتطويرها بهذه الطريقة. ونظرا لطبيعتها المفتوحة، فقد نجحت الإنترنت في جذب أعداد هائلة بوتيرة رائعة، كما نجحا في تغيير العالم من خلال تعزيز التواصل والابتكار وتحقيق نمو اقتصادي هائل. ويصل عدد مستخدمي الإنترنت في الوقت الحالي إلى ما يقرب من 2.5 مليار نسمة، أي ما يعادل أكثر من ثلث سكان العالم، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا العدد بنهاية العقد الحالي.

ومع ذلك، تواجه الإنترنت المفتوحة التي يستخدمها الناس في جميع أنحاء العالم تهديدا كبيرا، ولا يمكن حماية هذا الانفتاح الرائع إلا عن طريق تحركات منسقة من جانب أصحاب المصلحة. وقد أصبحت شبكة الإنترنت ضحية للنجاح الكبير الذي حققته. ويجب أن نعرف أن المجموعات المختلفة التي تعتمد على خدمات الإنترنت - الحكومات والشركات والأفراد من جميع الأنواع والأغراض - لديها احتياجات مختلفة، وفي بعض الأحيان تتداخل هذه الاحتياجات، وتتعارض في أحيان أخرى. ومع ذلك، تسعى الحكومات ذات السيادة بشكل متزايد للسيطرة على المجالات المحلية الخاصة بها، وكذلك تدفق البيانات والمعلومات بين البلدان، وبهذا فإنها تهاجم الانفتاح الذي يعد أحد الأسس المهمة التي يقوم عليها الإنترنت.

وتحاول الدول على نحو متزايد تنظيم النشاط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والمحتوى في الفضاء الإلكتروني، وفي كثير من الحالات تقمع حرية التعبير وتعتبره تهديدا. وفرضت أكثر من 40 حكومة، بدعوى حماية الأطفال أو الأمن القومي، قيودا على تدفق المعلومات والبيانات والمعرفة على شبكة الإنترنت. وهناك أشكال كثيرة لفرض الرقابة على الإنترنت، بما في ذلك الرقابة على الآراء؛ الرقابة على المواقع أو مزودي خدمات إنترنت معينة؛ الرقابة على معلومات محددة؛ المطالبة بحذف معلومات؛ المطالبة بعناوين الموقع الإلكتروني الخاصة بالمستخدمين، وإقامة حواجز تنظيمية لتدفق المعلومات عبر الحدود. والأكثر من ذلك أن هناك دولا أخرى، مثل إيران والصين، تفكر في إقامة شبكات حاسوب وطنية من شأنها أن تتحكم في اتصالات الإنترنت العالمية أو تقطعها تماما. والجدل الدائر حول عميل الأمن القومي الأميركي السابق إدوارد سنودن يسيطر على عناوين الصحف، ولكنه يحجب هذه التحديات العالمية الأوسع التي تواجه البنية التحتية للإنترنت في العالم.

تعمل شبكة الإنترنت على تسهيل التواصل والتجارة، علاوة على أنها جزء لا يتجزأ من الحياة العصرية، ولذا فإن الرقابة على الإنترنت سيكون لها تداعيات خطيرة، فاللوائح التي تحد من تدفق المعلومات لا تعيق الناس عن الوصول إلى المعرفة فحسب، ولكن يكون لها تأثير سلبي أيضا على شكل وتصميم وسلامة ومرونة الإنترنت. في عام 2012، على سبيل المثال، كان هناك اقتراحان في الكونغرس الأميركي للسماح بفلترة نظام أسماء النطاقات (دي إن إس)، الذي من شأنه أن يجعل الحكومة قادرة على أن تطلب من الشركات الأميركية منع الوصول إلى بعض المواقع، ولكن جرى اعتبار هذين الاقتراحين بمثابة خطر كبير على الأمن السيبراني. وعلاوة على ذلك، فإن قواعد التشغيل التقييدية والتمييزية تؤدي إلى تعقيد التجارة وإبطاء النمو الاقتصادي العالمي، ويكفي أن نعرف أن اقتصاد الإنترنت قد شكل 4.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة عام 2010، أو ما يعادل 68.2 مليار دولار، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 5.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2016. وتستحوذ الولايات المتحدة على أكثر من 30 في المائة من العائدات العالمية للإنترنت وأكثر من 40 في المائة من صافي الدخل. إن فلترة وغلق تدفق المعلومات وغيرها من القيود يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للشركات التي تسعى للوصول لعملائها وتوفير الخدمات أو نشر المعلومات الهامة على الصعيد العالمي.

ثمة الكثير من الأساليب التي يمكن للولايات المتحدة الاعتماد عليها لعلاج هذه المشكلة، ولكن أهم تلك الأساليب هو أن تفرض الولايات المتحدة على كافة الاتفاقيات التجارية في المستقبل أن تتضمن تشجيع التدفق الحر للمعلومات والبيانات عبر الحدود الوطنية مع حماية الملكية الفكرية وتطوير إطار تنظيمي عالمي ينص على احترام الحقوق الشخصية للأفراد. كانت الاتفاقيات التجارية في الماضي تتعامل مع قضايا مثل التدفق الحر للسلع والقرصنة وحقوق الإنسان، ويجب ألا تختلف اتفاقات التجارة في المستقبل عن ذلك، وبالفعل هناك بعض الاتفاقات التي تتناول هذه القضايا، فعلى سبيل المثال يدعو اتفاق التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكوريا البلدين إلى «الامتناع عن فرض أو الإبقاء على حواجز غير ضرورية أمام تدفق المعلومات الإلكترونية عبر الحدود». ويذكر أن الولايات المتحدة لديها اتفاقيات تجارية مع معظم بلدان العالم، وتوفر هذه الاتفاقيات الفرصة لتعزيز قيمنا.

وحتى يمكن البناء على هذه التوصيات ومواصلة تعزيز التجارة الرقمية الأميركية، توصي فرقة عمل تابعة لمجلس العلاقات الخارجية بما يلي:

- يجب على اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، والمفاوضات التجارية المقبلة بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية والاتفاقات الثنائية في المستقبل، أن تضمن التدفق الحر للمعلومات عبر الحدود.

- يجب على الولايات المتحدة، جنبا إلى جنب مع شركائها التجاريين، إقامة إجراءات قانونية رقمية لطلبات إزالة المحتوى وبيانات المستخدم، وهو ما من شأنه أن يمنع بلدانا مثل سنغافورة، التي أعلنت أن المواقع الإخبارية التي تنشر أخبارا عن البلاد يجب أن تكون مرخصة ويمكن أن تُغرّم إذا لم تقم بإزالة أي أخبار تعد مرفوضة من قبل الحكومة، من سن إجراءات قانونية لطلبات إزالة المحتوى.

- يجب على الولايات المتحدة وغيرها من الدول أن تجعل نقل البيانات بين الحكومات أكثر شفافية وفعالية من خلال تحسين اتفاقية المساعدة القانونية المتبادلة. ويذكر أن الولايات المتحدة موقعة بالفعل على أكثر من 60 اتفاقية مساعدة قانونية متبادلة.

- يجب على الممثل التجاري الأميركي التنسيق مع نظرائه اليابانيين والأوروبيين للضغط على الهند والبرازيل لرفع الحواجز غير الجمركية أمام التجارة.

- يجب على الولايات المتحدة حماية الملكية الفكرية، مع الحفاظ على حقوق المستخدمين في الوصول إلى المحتوى المشروع. وقد ناقش الكونغرس الأميركي هذه القضية خلال المفاوضات حول قانون وقف القرصنة على الإنترنت وقانون حماية الملكية الفكرية. وستجري إعادة تقديم مشروعي القوانين، المتوقف الآن، في المستقبل بشكل أو بآخر.

* مدير سابق للاستخبارات القومية الأميركية