أنقرة ـ القاهرة الدراما ـ الميلودراما

TT

يبدو أن الجني غادر فانوس العلاقات التركية المصرية وبات من الصعب إعادته إلى مكانه خصوصا أن الجانبين لا يرغبان في ذلك.

الكثير من المرارة المصحوبة بالقليل من الغضب هي التي تتحكم في مسار العلاقات اليوم، لكن المهم الآن هو أن لا تتحول المسألة إلى الكثير من الغضب والقليل من المرارة حتى لا يستحيل تداركها والالتفاف عليها.

تطورات المشهد في مسار الأزمة المصرية واستحالة العودة بالأمور إلى ما قبل شهرين مثلا كما تريد حكومة العدالة والتنمية سيعقد القضية أكثر فأكثر، وهذا ربما ما قد يدفع البلدين للمضي في أسلوب التصعيد على كافة الجبهات. إشارة رابعة العدوية التي رفعها أردوغان من مدينة بورصة تحية للذين سقطوا هناك قابلها على الفور تذكير القاهرة للأتراك بضرورة دفع ثمن المجازر المرتكبة ضد الأرمن في مطلع القرن المنصرم.

خيبة أمل أنقرة كبيرة في ضرب تحالف كانت تعد له بصبر وهدوء مع قيادة الإخوان المسلمين في مصر، وغضبتها أبعد من المساس بالديمقراطية والصناديق وكلمة الأكثرية. أنقرة قلقة أن تصل ارتدادات ما جرى في مصر إلى الداخل التركي نفسه فتطال التجربة والنموذج والإلهام التركي الذي جرى الحديث عنه عربيا وإسلاميا منذ أكثر من عقد. ما يجري لن يؤثر فقط على الموقع والدور والصعود التركي الإقليمي بل له علاقة مباشرة بانتشار وتمدد ووصول الإسلام السياسي إلى الحكم في الكثير من البلدان. بعض الساسة في تركيا يرددون أنه لو سكت الجميع، فنحن لن نسكت على ما جرى ويجري في مصر، لكن البعض يستعد لتذكير أنقرة أنها تدفع ثمن سياستها المصرية كما يحدث الآن بسبب مواقفها من سوريا وليبيا وتونس.

تصلبنا وهذا ما لا نريد أن نراه قد يحمل الإخوان أعباء وخسائر وأضرارا قد نكون نحن هنا في تركيا من تسبب بها نتيجة مواقفنا وتشددنا خصوصا أننا نتحرك في تحديد المواقف قبل الجميع مما قد يتركنا في منتصف الطريق كما حدث في أكثر من مكان في العامين الأخيرين تحديدا.

الحملات المتواصلة عبر الفضائيات، استدعاء السفراء، قرار إلغاء المناورات العسكرية المشتركة، الحديث عن فرعون وموسى والرد بالتلويح بمواقف عدائية تتجاوز قضية التدخل في الشؤون الداخلية، هي مقدمات انفجار لن يمكن تلافيه بهذه السهولة.

تأزم العلاقات وتدهورها بهذه السرعة سيتجاوز الدعوات التي أطلقها مجموعة من المثقفين والفنانين المصريين باتجاه مقاطعة مسلسلات الدراما التركية الزاحفة في كل مكان ومحاولات حماية الميلودراما المصرية ومساعدتها على استرداد تاريخها العريق، فحكومة العدالة والتنمية نفسها غير راضية عن مضمون وسيناريوهات هذه البرامج التي لا تمثل الأعراف والتقاليد ونمط عيش المجتمع التركي، بل تم تحريك رجال الأمن والقضاء قبل أسبوعين لتنفيذ حملة اعتقالات واسعة في صفوف كبار نجوم هذه المسلسلات بتهمة الاتجار بالمخدرات أو الترويج لها أو تعاطيها مما يعني أن ما قد يقوم به المصريون يخدم ما يريده بعض الساسة الأتراك قبل غيره.

تراجع العلاقات التركية المصرية التي كانت متراجعة أصلا بالمقارنة مع العلاقات التركية الخليجية أو التركية الإيرانية لا يعني حرمان البلدين من فرص التعاون الإقليمي لتحديد المعالم ورسم السياسات، وهو أكثر ما عانتا منه في العقود الماضية، بل قد يدفع بحلفاء وشركاء وأصدقاء الجانبين للاصطفاء في خندقين متقابلين، وكأن عدد الخنادق المحفورة حتى الآن بسبب الأزمة السورية واللبنانية والعراقية لا يكفينا.

تراجع العلاقات بين أنقرة والقاهرة لا يعنيهما وحدهما ولن يحرمهما من فرص استراتيجية كثيرة بحثا عنها وعملا من أجلها لسنوات، بل سيؤثر على مسار علاقاتهما مع دول الجوار التي بدأت منذ الآن تختار مواقعها وأماكنها في مواجهة محتملة من هذا النوع.

هل بمقدور أنقرة وأمام التهديدات الداخلية اليومية بالاستعداد لخريف غضب جديد، أن تفتح جبهة مواجهة أخرى ومع دولة بحجم وقوة مصر؟ طبعا هي قادرة على فعل ذلك، لكن حسابات الربح والخسارة ينبغي أن تدرس جيدا إضافة إلى جبهاتها الحالية مع النظام السوري والحكومة العراقية وتل أبيب؟

خطوة تركية إلى الوراء سيقابلها حتما خطوة مصرية خصوصا في غياب الوسيط العربي أو الإسلامي الراغب أو القادر على طرح التهدئة في هذه الظروف، من دون التذكير طبعا بأكثر من سبب يدفع أوروبا والولايات المتحدة الأميركية لعدم التحرك باتجاه تخفيف حدة التوتر بين من يصفانهما بالشريكين الأساسيين لهما في المنطقة وبأن خصومة من هذا النوع والتجارب في سوريا والعراق تعكس حقيقة ذلك ستحمل لإسرائيل وإيران المزيد من الفرص لجني ثمار المرحلة.

قرار إرجاء موعد القمة المقررة بين رئيس الجمهورية عبد الله غل ورئيس الوزراء أردوغان إلى الخميس المقبل لدراسة مستجدات الأزمة في مصر وتحديد الخطوات المقبلة، ربما هي خطوة باتجاه انتظار ما سيقوله الاتحاد الأوروبي وعودة الرئيس الأميركي أوباما من عطلة الغولف.

وهم الذين اختاروا التطويل والمماطلة لأكثر من سبب قد يكون أهمها توريط تركيا في الكشف عن كافة أوراقها وإحراقها قبل أن تبدأ اللعبة في مصر.