كيف يفكر الغرب عن مصر؟

TT

أحاول جاهدا وأنا أخط هذه الكلمات وأسطر هذه السطور أن أفكر بأسلوب «غربي» بحت، مستفيدا من تجربتي الدراسية ومعيشتي لسنوات طويلة وسفري وترحالي وعملي وقراءتي عن ومع أهل الغرب، أعتقد أنني من الممكن أن «أفكر» قليلا في هذه اللحظات بطريقتهم، وأتمعن في تفسير وتبرير المواقف التي أخذتها أقطاب الدول الغربية بحق الثورة الشعبية الكبيرة، التي خرجت لأيام متتالية تطالب بإسقاط حكم مرسي، واستجاب الجيش لها لتُعيّن فورا حكومة انتقالية، وتبدو مصر في خارطة طريق واضحة الملامح والأهداف، كما أعلن عنها بشكل مفصل في وقت لاحق. الولايات المتحدة الأميركية تعتبر أن ما حصل (على الأقل إعلامها وبعض أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي) انقلاب بقيادة العسكر ضد رئيس مدني منتخب بشكل ديمقراطي في انتخابات نزيهة، ولكن الإدارة الأميركية نفسها، وعلى لسان وزير الخارجية جون كيري، صرحت بأن الجيش لم يتدخل إلا لحماية إرادة الشعب والديمقراطية نفسها، وأما الوضع الأوروبي فهو يبدو أكثر تشددا ضد الثورة المصرية الشعبية الأخيرة. فألمانيا وفرنسا وبريطانيا قامت بالإدلاء بتصريحات «عنيفة» ضد الحكم الجديد في مصر، واعتبرته «انقلابا جاء ضد إرادة الشعب»، وأن ممارساته «العنيفة» مصدر قلق كبير للدول الأوروبية. فلماذا يا ترى أتت هذه المواقف بهذا الشكل على الرغم من أن ما حدث في مصر هو ثورة شعبية ضد حكم محمد مرسي الرديء، وهو الرجل الذي حنث بقسمه لحماية الدستور، وبعد ذلك ألغاه، وحدثت المجازر في عهده ضد الجند والعسكر والأبرياء على مرات مختلفة، ودمر فيها اقتصاد البلاد، وكرس الفتنة بين الشعب، وعين شخصيات غير قادرة وغير كفوءة في أهم المناصب، حتى ثار الشعب عليه، وطالب برحيله فورا، ولكن أميركا ترى أن وجود فصيل إسلامي أتى للانتخابات سوف يكون مفتاحا لتقليص حجم التطرف العالمي الموجه ضد الغرب، وهي «ناقشت» ذلك الأمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ووجدت أن مستويات مفردات القلق المتعلقة بالتطرف ضد الغرب هبطت بشدة، بعد وصول الإخوان المسلمين للحكم في مصر، حتى إن كثيرا من الجهاديين المتطرفين عادوا إلى مصر من باكستان وأفغانستان، وبالتالي كان هناك فريق في أميركا يرى ضرورة الحفاظ على الحكم «الديمقراطي» للإسلاميين في أكبر دولة عربية، وذلك على الرغم من ملامح التطرف الهائلة الموجودة في السياسات والخطابات التي جاءت معه، والتجاوزات بحق الأقليات وحرية الأديان وحقوق المواطنة.

أما أوروبا، فهي ترى النمو الهائل في أعداد المسلمين المهاجرين إليها، وخصوصا في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا؛ الألمان لديهم المهاجرون الأتراك، وفرنسا لديها مهاجرو شمال أفريقيا، وبريطانيا لديها الآسيويون، وهم جميعا مسلمون، ولكنهم في نظر الساسة مجموعة تنمو بقوة، وبات من الصعب دمجها في المجتمعات الأصلية بشكل متكامل وتام، وهي مشكلة ستكبر وتتضخم وتنفجر لاحقا وقريبا جدا، وبالتالي لا بد من إيجاد دول ديمقراطية تحكم من قبل الإسلاميين في دول المتوسط على أقل تقدير، حتى يمكن أن يرجع أكبر عدد من المهاجرين الذين أتوا للدول الأوروبية إليها، ويندمجوا في دولهم الأم براحة ويسر وسهولة.

المدافعون عن القيم الغربية والخاصة بحقوق الحريات والديمقراطيات والانتخابات وشرعية الصندوق يتناسون تماما أن شرعية الصندوق والوصول للحكم بأسلوب ديمقراطي يجب أن يصاحبها، ويكون جزءا منها، نهج وأسلوب حياة ديمقراطي أيضا، وحتما، فإن عدم خلط الدين بالسياسة ومحاربة الإرهاب هو كذلك من قيم المجتمعات الغربية الديمقراطية، وأجد غرابة شديدة من التناقض الحاد الذي أبداه السيناتور الأميركي جون ماكين، والذي تحفظ على منح المساعدات لسوريا وثوارها، لأنها ستسقط في أيدي «جبهة النصرة»، وهي جماعة إرهابية محسوبة على تنظيم القاعدة الإرهابي، ويتغاضى عن المجاميع الجهادية السلفية الموجودة في سيناء، التي رفعت أعلام «القاعدة»، وكانت تقتل عشرات الجنود المصريين بشكل متواصل، «تأييدا» لحكم مرسي وعودته.

مصر اختارت طريقها، وشعبها مصرّ على مواصلة بناء بلاده، وإصدار دستور يسع الجميع، واختيار قادته بنفسه بشكل يستوعب الكل. مطلوب من العالم أن يقبل ويتقبل ذلك.