السعودية ومصر.. وضع النقاط على الحروف

TT

عندما نوَّه التلفزيون المصري، مساء الجمعة الماضي، إلى أنه سوف يذيع بعد قليل، بيانا لخادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز، حول الوضع في مصر، فإن كثيرين توقعوا أن يأتي البيان على نحو ما جاء عليه، من وضوح، وحسم، وتسمية للأشياء بأسمائها الحقيقية، من دون التغطية عليها، أو الدوران حولها.

وحقيقة الأمر، أن قوة بيان الملك عبد الله، لم تكن فقط في اللغة القوية، التي جرت صياغته بها، ولا في العبارات الفاصلة، التي جرى عليها، من أول كلمة، إلى آخر حرف فيه، بقدر ما كانت في توقيت صدوره، وهو ما أدى إلى ردود فعل إيجابية كبيرة، صدرت في عدة عواصم بعده بساعات.. لا أكثر!

ذلك أننا نذكر جيدا، أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، كان قد ألقى بيانا هو الآخر، قبل بيان خادم الحرمين الشريفين بـ24 ساعة، أعلن خلاله إلغاء المناورات العسكرية المشتركة لبلاده، مع القوات المسلحة المصرية!!.. صحيح أن أوباما أدان في البيان نفسه، العنف في مصر، إلا أنه، مع الأسف، لم يشأ أن يحدد في بيانه، أي عنف بالضبط، هو الذي يدينه، ولو أنصف الرئيس الأميركي لكان قد قال للعالم إن الشرطة المصرية تواجه هجوما مسلحا، من جماعات عنف، وإنها كجهاز أمني، لا يمكنها أن تقف وتتفرج، وهي ترى أن هناك عناصر إخوانية تهاجم المنشآت الحيوية في البلاد، بالرصاص الحي!

لو أنصف الرئيس أوباما، لقال هذا، ولكان عندئذ، يتكلم عن واقع على الأرض، ولو أنصفت سفيرته في القاهرة، السيدة آن باترسون، لكانت قد أمدت رئيسها بمعلومات دقيقة، وأمينة، عما يجري فعلا، ولكانت قد قالت له، إنه لم يحدث أن بادرت الشرطة المصرية بإطلاق رصاص على أي متظاهر، أو معتصم، وإنها، أي الشرطة المسؤولة عن حفظ الأمن في البلد، لا تبادر باعتداء، ولا تأتي حركتها في هذا الاتجاه، إلا على سبيل رد الفعل، لا الفعل على الإطلاق!

إن أي متابع أمين لعملية فض اعتصام الإخوان في ميدان رابعة، وفي ميدان النهضة، التي جرت قبل بيان أوباما، بيوم، وقبل بيان الملك عبد الله، بيومين، يعرف جيدا أن هذا الاعتصام دام في مكانه شهرا ونصف الشهر، وتحديدا من 3 يوليو (تموز)، إلى 14 أغسطس (آب)، حين تقرر فضه، بالقانون، وأن الحكومة المصرية طوال الشهر ونصف الشهر، وجهت عشرات النداءات إلى المعتصمين، بأن يغادروا الميدانين، في أمان وفي سلام، مع تعهد كامل منها بأن أحدا لن يلاحقهم، ولن يطاردهم.. ولكن من دون جدوى!

فماذا، إذن، كان على الحكومة أن تفعل، وهي تملك معلومات عن أن التجمع في المكانين، لم يكن سلميا بالمرة، وهو ما تؤكده كميات السلاح التي ضُبطت في الموقعين أثناء وبعد إجلاء المعتصمين عنهما؟!.. ماذا كان عليها أن تفعل؟! وهل تقبل حكومات إنجلترا، أو فرنسا، أو أستراليا، التي استدعت السفراء المصريين لديها، لتستفسر منهم عما جرى خلال عمليات الفض، وعَمن سقطوا قتلى أو مصابين.. هل تقبل أي حكومة منها، أن يقوم اعتصام على أرضها، من نوع ما كان قائما في القاهرة، لشهر ونصف الشهر، ثم تسكت عنه؟!

إن ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا ذاته، هو مَنْ قال يوما، بأن أمن بريطانيا، فوق أي حق من حقوق الإنسان.. لقد قالها في مواجهة مظاهرات في بلده، كانت في طريقها، لو تركوها، إلى أن تهدد أمن بلده بكامله، وهو بالضبط ما كان حاصلا مع اعتصامي رابعة والنهضة!.. هل هو حلال لتلك العواصم، وحرام علينا، إذا أرادت حكوماتنا أن تحفظ أمن الوطن، من سلوكيات طائشة، لجماعات عابثة؟!

لست أبدا مع إراقة نقطة دم واحدة، من جسد أي إنسان، حتى ولو كان هذا الإنسان عدوا مباشرا لي.. ولكن.. هناك في المقابل أمن أوطان، لا يمكن أن يتحقق إلا إذا واجهت الدول، في هذه الأوطان، عبث البعض، بما يليق به، ويستحقه، من قوة، وجدية، وتطبيق للقانون، لا يمكن أن يحتمل بطبيعته، المساومة، ولا الفصال.. وحين تسلك أي حكومة، هذا الطريق، فالواضح جدا، لكل ذي بصر، أنها تسلكه ضد البعض، لصالح الكل، أو ضد أقلية، لحساب الأغلبية من شعبها.

كان هذا كله، وغيره مما يقف معه في صف واحد، واضحا في القاهرة، وضوح شمس أغسطس، طوال أسابيع مضت، ولكن لسبب ما، تعامى عنه البيت الأبيض، وتعامت عنه حكومات في أوروبا، وكأنها لا ترى ما لا يمكن التعامي عنه بأي حال!

ولهذا، فقد جاء بيان خادم الحرمين الشريفين في وقته تماما، وجاء ليضع النقاط في الأمر كله، على حروفها، ثم جاء ليعلن أن السعودية، حكومة وشعبا، تدعم مصر، ضد الإرهاب، وضد الضلال، إلى آخر المدى، وهي لا تكتفي بذلك فقط، وإنما تدعو العرب والمسلمين كلهم، إلى بذل الدعم نفسه، لمصر، والمصريين.

وعندما يصدر دعم من هذا النوع، من رجل في وزن الملك عبد الله، وعن دولة لها ثقل السعودية عند الأميركيين، وعند الغرب عموما، فإن لنا أن نتخيل حجم تأثيره، ولذلك، لم يكن غريبا، أن تعلن الكويت، والإمارات، والبحرين، والأردن، بعدها بساعات، تقديرها لموقف الملك، ووقوفها معه في المربع نفسه.. ولم يكن غريبا كذلك، أن يكون التقدير العميق، من جانب الدولة المصرية، هو أول رد فعل تجاه موقف المملكة تجاه شقيقتها مصر، وأن يقال، بحق، إن خادم الحرمين الشريفين سوف يدخل التاريخ، من الباب الذي كان قد دخل منه الملك فيصل، يرحمه الله، حين اتخذ موقفا مماثلا، مع القاهرة ودمشق، في حرب 73.