افرح يا قلبي

TT

كثيرا ما تخالجني أفكار غريبة عجيبة تحاصرني بالتساؤلات. وعلى سبيل المثال لا الحصر سوف أذكر لكم واحدة منها: ماذا تكونين فاعلة لو ربحت مليون دولار؟ أعترف بأنني أفكر في الأمر حين يتردد السؤال بين جنبات رأسي، وأرفض الإجابة عليه أحيانا لأن الاحتمال غير وارد علي الإطلاق. فأنا لا أقامر ولا أبتكر ابتكارات يمكن أن تغير العالم ولا صلة لي بالأثرياء الذين يمكن أن يتنازلوا عن مليون دولار إعجابا بإنجازات امرأة مثلي. وفي أحيان أخرى أفكر بأنني لو ربحت المليون سوف أعطي ابنتي جانبا منه وأتصدق بمبلغ كبير لعلاج المرضى وتزويج البنات اللاتي يستعصي على أهلهن تيسير تزويجهن بسبب ضيق ذات اليد. ثم يتوقف تفكيري عند تلك النقطة لأنني لا أحتاج شيئا إضافيا يمكن أن يدخل بهجة منقطعة النظير إلى حياتي. فأنا راضية بما رزقني الله ولا أتمنى أن أزيد عليه شيئا. باختصار لسان حالي يقول لي ليس في الإمكان أفضل مما كان.

هذا الصباح قرأت أن مثل هذا الإحساس بالرضا هو الطريق إلى عمر طويل وصحة معتدلة وأن التفكير الإيجابي يقلص احتمالات الإصابة بالنوبات القلبية التي تأتي بغتة وتنهي حياة المصاب.

تنصحنا تلك الدراسة بالتركيز على الإيجابيات ونبذ السلبيات والفرح بما بين أيدينا والتأمل في جمال الكائنات والطبيعة وتعاقب الليل والنهار. فقد أثبت العلم الحديث أن القلق والاكتئاب يمهدان الطريق للإصابة بأمراض القلب، مثل هذا الكلام صحيح لأن أبسط قواعد المنطق تفيد بأنه من العبث القلق على أمور لا نملك تغييرها أو تبديلها. فلماذا لا ينبذ أصحاب القلق ذلك العدو الخفي الذي يفسد عليهم متعة السمع والبصر ونعمة القلب السليم؟

هذه الدراسة أجريت في جامعة جونز هوبكنز الأميركية ومقرها مدينة بالتيمور الواقعة في ولاية ميريلاند. ولعل أهم ما جاء فيها هو أن التفاؤل والتشاؤم والبرء من آفة القلق جزء من قدرنا في الحياة. فالبعض يولد متفائلا وغيره يولد وتولد معه بذرة القلق والتشاؤم. ومعنى ذلك أننا لا نستطيع أن نتبدل من حال إلى حال. فالمتفائل يحب الحياة بطبعه وبسبب حبه للحياة يعتني بالأمور الصحية فيؤدي إحساسه بالصحة الجيدة إلى إقباله على كل ما هو جميل.

التشاؤم هو الوجه الآخر للخوف. ولا شك أن المثل الشعبي الذي يقول: «اللي يخاف م العفريت يطلع له» هو مثل يعبر عن فلسفة شعبية نتجت عن تجارب معاشة. فالخوف لا يطرد العفريت ولا إغماض العين خوفا من رؤيته. ولكن إذا نظرت إلى العفريت نظرة مباشرة تمكنك من معرفة طوله وعرضه ولون عينيه الحمراوين استطعت أن تواجهه وتقنعه بأنك لا تخافه.

ولعل أبلغ مثال على تجربتي مع عفريت التشاؤم هو ما حدث لي بعد تعرضي لجراحة معقدة أفقت منها على واقع جديد لم أكن عشته من قبل. كنت راقدة على سرير المستشفى في حالة اعتماد كلي على الخدمات الطبية والتمريضية. لا أستطيع الحركة بلا مساعدة وتدور ساعات صحوي حول تعاطي الحقن والأدوية. وما بين كل جرعة وأخرى كنت أجد نفسي وحيدة في غرفة المستشفي. فقررت ذات صباح أن أقطع الوقت بالتجول بين المحطات التلفزيونية فإذا بي بعد ضغطة زر أرى نفسي على الشاشة. أطل على وجهي الإعلامي أنيقا معدلا وسمعت صوتي يدلي بدلو في بعض الأمور الإنسانية والاجتماعية. وأعترف بأني دهشت وتململت في موقعي على فراش المستشفى وكان يمكن أن أشعر بالرثاء لنفسي. ولكن المفارقة أخذتني لموقع آخر.

بعد لحظة جمود فكري تساءلت من أكون.؟ هل أنا تلك المرأة التي تطل من الشاشة الصغيرة على العالم أم هذه الطفلة الراقدة على سرير المرض ولا تعلم ما يخبئه المستقبل؟

لم يطل انتظاري للإجابة. فقد حسمت الموقف واعتبرت أن النسخة المعدلة التي أطلت علي من الشاشة كانت بشرى أوحت إلي بأن تلك المرأة ما زالت موجودة، وأن الأخرى موجودة أيضا وقد تجتمعا في قالب جديد يمكن الفرح به والتعايش معه.