مصر ليست مشاعا لازدواجية المعايير!

TT

كان لافتا أن يتعمد الأمير سعود الفيصل الإضاءة على التناقض الفاضح والمعيب، الذي يبرز في المواقف الدولية من التطورات العاصفة في الدول العربية، عندما قال إننا نرى وبأسف شديد أن الموقف الدولي تجاه الأحداث في مصر يتعارض مع المواقف الدولية حيال الأحداث في سوريا، بمعنى أن الذين يصرخون متباكين على حقوق الإنسان في مصر هم الذين يرقصون صامتين على قبور مئات الألوف من القتلى في سوريا.

لكن وزير الخارجية السعودي يعرف أكثر من غيره أنها ليست ازدواجية المعايير في العلاقات الدولية، وقد وصفها ونستون تشرشل ذات يوم بأنها «علاقات وحشية تمليها مصالح متوحشة»، بل هي محاولات خبيثة لسحب فصول المأساة السورية على مصر، بعدما انهار الرهان على قيام «شرق أوسط إخواني» أريد له أن يمتد بالتخريب إلى كل دول الإقليم.

واضح تماما أن السكوت الدولي عن المذابح وسفك الدماء في سوريا هو تماما مثل الصراخ الدولي في وجه الحكومة الانتقالية المصرية، التي منعت انزلاق مصر إلى حرب أهلية مدمرة كانت عناصرها قد توافرت بعد انقلاب «الإخوان» على ثورة 25 يناير (كانون الثاني) ومصادرتهم الديمقراطية وفرض أخونة الدولة بالتسلط وقطع الطريق على الدولة المدنية الديمقراطية.

يحتاج المرء إلى كثير من العمى كي لا يرى 35 مليونا من المصريين يخرجون إلى الشوارع مطالبين محمد مرسي و«الإخوان» بالرحيل، تماما كما لو أن 100 مليون أميركي خرجوا إلى الشوارع مطالبين أوباما بأن يكف عن التعامي عن الحقائق في مصر وكذلك في سوريا، ويحتاج المرء إلى كثير من التجني والافتئات ليقول كما تقول أميركا، إن ما جرى في مصر «انقلاب عسكري» بينما كل ما فعلته القوات المسلحة كان منع أن تغرق مصر في حرب أهلية تنشب بين جماعة الإخوان التي خطفت البلد وبين شباب ثورة 30 يونيو (حزيران) وقد استعادوا روح الثورة من «الإخوان» الذين بكروا في تحريك رياح سمومهم كما حصل في دولة الإمارات العربية.

يعرف وليام بيرنز والسفيرة آن باترسون والسيناتوران جون ماكين وليندسي غراهام أن «الإخوان» رفضوا قبل عزل مرسي وبعد عزله، أي حل يقوم على احترام إرادة الشعب التي هي جوهر الشرعية ومصدرها، يعرفون أيضا تفاصيل خطة «إحراق القاهرة الكبرى» التي أطلعتها عليهم الحكومة وقد تمكن «الإخوان» في تنفيذ جزء بسيط منها في سيناء قبل فض الاعتصامين، ورغم هذا تواصل أميركا والغرب محاولة إعادة الساعة المصرية إلى الوراء بذرائع رخيصة كالحديث عن الديمقراطية التي كان «الإخوان» قد دفنوها!

لكن العالم العربي ليس هباء متروكا للتخريب والخراب تنفخ الدول في جمره السوري هنا وتشعل النار في أذياله المصرية هناك، وتتركه ساحة لرهانات أميركية - إيرانية دموية في العراق، ولكي لا يتكرس العالم العربي ساحة مستباحة إقليميا من إيران وتركيا وإسرائيل ودوليا من الحسابات والخطط الكبيرة. وبعدما بدا أن واشنطن لم تتردد حتى في إهانة الشعب المصري بحجب حفنة من الدولارات عنه، كان من الطبيعي أن تنطلق صيحة خادم الحرمين الشريفين كفزعة عربية إسلامية لمواجهة هذا العسف الذي يستهدف مصر بعدما استهدف سوريا ومن قبلها العراق والذي يحاول استرهان العرب والإسلام وزج المنطقة في الصراعات المذهبية والفتن، وسد منافذها إلى التطور والتقدم والنمو ووأد مستقبلها بما يتلاءم مع المصالح التي تريد استنزاف ثرواتها وخيراتها.

وهكذا كانت المساعدة السعودية الأولى لدعم الاقتصاد المصري التي تبعتها مساعدة الإمارات فالكويت، ثم كان تصريح الملك عبد الله الحازم في 17 أغسطس (آب) من أن المملكة تقف مع مصر ضد الإرهاب والفتنة والضلال «وليعلم كل من تدخل في شؤون مصر الداخلية أنه بذلك يوقد نار الفتنة ويؤيد الإرهاب الذي يدعي محاربته»، داعيا الجميع إلى وقفة رجل واحد في وجه كل من يحاول زعزعة دولة لها في تاريخ الأمة الإسلامية والعربية مكان الصدارة.

قبل ذلك كانت الرياض قد بدأت هجوما دبلوماسيا لاستنقاذ الوضع العربي وانتشال الساحة العربية من مهاوي الفوضى العارمة والحروب الأهلية، فكانت محادثات الأمير بندر بن سلطان مع فلاديمير بوتين بهدف فك الحصار الروسي عن الشرعية الدولية تمهيدا لحل يوقف المذبحة في سوريا، ثم كانت محادثات الأمير سعود الفيصل في باريس التي أدت إلى اتفاق مع فرنسوا هولاند على إعطاء خارطة الطريق المصرية فرصتها، وانتهت برفض التهديدات الدولية بوقف المساعدات عن مصر التي لن تتركها الأمة العربية الغنية، وأهم من هذا قول الفيصل إن استمرار التعامي الدولي عن الحقائق في مصر سيؤخذ في النهاية على أنه موقف عدائي ضد مصالح الأمتين العربية والإسلامية واستقرارهما.