بين كماشتين

TT

كنت واحدا من الكثيرين الذين توقعوا الفشل للإخوان المسلمين. ولكنني كنت أتوقع، بل وأتمنى وقوع ذلك بعد سنتين أو ثلاث من تسلمهم الحكم. فسيكشف ذلك بصورة واضحة وكافية عجزهم عن حل مشاكل الأمة، وعندئذ يدرك الجميع، علماؤهم وجهلاؤهم وحتى أتباعهم، أن الأحزاب الدينية غير مؤهلة للتعامل مع مشاكل العصر. ولا يبقى للشعب غير أن يسعى لإزالتهم، إزالة تامة وأبدية، ويغلق المؤرخون سجلهم.

ولكن، يبدو أن قيادة الجيش المصري تأملت في الموضوع ورأت أن حكومة مرسي وقعت في تخبطات كافية لإظهار فشلهم ولإنقاذ الشعب منها. شجعها على هذا القرار أن شعبية حكومة مرسي انخفضت إلى 30% في شهر يونيو (حزيران). وكل ذلك بعد أن ارتفعت البطالة بين الشبيبة دون سن 24 إلى 40%؛ أي نحو النصف تقريبا، وتضعضع الأمن إلى حد أن بلغ عدد القتلى ثلاثة أضعافه، وامتدت طوابير الانتظار، ولا سيما أمام محطات البنزين في القاهرة بما اعترف مرسي نفسه بعجزه عن تلافي ذلك.

وفي هذا المفترق، ظهر أن خطرا قد لاح في الأفق، وهو أن بقاءهم لمدة أطول سيعطيهم الفرصة لتنفيذ تغيير خطير في المجتمع وكيان الدولة يضمن لهم البقاء في الحكم. ففي خلال سنتين أو ثلاث، سيقومون بغسل دماغ الشعب عبر تغيير المناهج الدراسية واستبدال إدارات وسائل الإعلام والثقافة بحيث يجعل الجمهور ينظرون إلى الجوع والفقر والبطالة كقدر من مقدرات السماء، لا يصح الاعتراض عليها. وما على المسلم غير أن يجلس أو ينام وينتظر الخلاص في الآخرة. يهدهدون غيظ الشعب بهذه المخدرات: فرض النقاب وقمع المرأة وغلق البلاجات ومنع المراقص والكباريهات، واضطهاد الأقليات وتغطية التماثيل أو تحطيمها أو بيعها للخواجات، وبناء المزيد من التكايا، وجمع التبرعات لتحرير فلسطين... إلخ.

وفي الوقت عينه وخلال هذه المدة، يغيرون قيادات الجيش والأمن والمخابرات بكوادر إخوانية تقمع أي تململ أو اعتراض ضد حكمهم.

يبدو أن القادة الذين تحركوا لإبعاد مرسي عن الحكم وعوا هذه الكماشة الثانية. لم يعد الانتظار حتى يكتمل الفشل بمدة أطول، شيئا حكيما أو مجديا، فوجهوا ضربتهم المشكورة. بيد أن المشكلة ستتطلب زمنا طويلا وجهدا كبيرا وثمنا باهظا. ولكن لا بد من قهرها.

جماعة الإخوان المسلمين مرض وبائي مزمن ضرب مصر وبعض البلاد العربية منذ العشرينات. استغلت الإيمان البسيط والميل للخدر فنشرت فيروساتها في سائر أجزاء البدن وتسببت في هلاك المئات، وربما الألوف من الناس وخسارة المليارات من الاقتصاد الوطني وتشويه العقل والجهاز العصبي للأمة. راح القوم يحسبون الوهم حقيقة ويهذون بما لا يعرفون. يحلمون بأن بالإمكان العودة للقرون الوسطى وإقامة الخلافة من مشرق الشمس لمغربها والانتصار على إسرائيل وكل العالم وكل المشاكل بمجرد تطبيق أمور انتهى أمرها منذ قرون. تحشيشة مخيفة! وكم يصعب معالجة ضحاياها.