بعد 50 عاما

TT

ونحن نقترب من الذكرى الـ50 لمسيرة واشنطن، لديّ شعور بعدم الارتياح من المجتمع، وواقعه العنصري. ولا يزال خطاب مارتن لوثر كينغ؛ «لديّ حلم»، يتردد في خاطري.. هذا الخطاب المؤلم والشاعري الذي يعد بمثابة تحفة منقطعة النظير في فن الخطابة، والذي يتخيل مستقبلا خاليا من التمييز، مستقبلا يسوده الوئام والمساواة. ولكني أتساءل عما إذا كان اليوم الذي يتصوره سوف يأتي في أي وقت من الأوقات، وعما إذا كان كثير من الأميركيين قد تخلوا عن حلم كينغ، باعتباره الرؤية التي لا يمكن - أو لا ينبغي - وجودها على أرض الواقع.

أنا مقتنع تماما بأنه قد جرى اتخاذ خطوات هائلة في العلاقات بين الأعراق المختلفة، وهذا أمر مسلّم به وغير قابل للنقاش، حيث جرى حذف معظم القوانين التي كانت تدون صراحة للتمييز من الكتب، وأصبح العداء العنصري العلني أمرا غير مقبول من الناحية الاجتماعية، كما أصبح التنوع قضية مهمة يجرى الدفاع عنها في كثير من الأوساط، حتى لو كان هناك بعض العراقيل أمام الجهود المبذولة لتحقيق ذلك في الآونة الأخيرة.

ونحن نقترب من الوصول إلى مجتمع يجري القضاء فيه على التحيز والتمييز الواضح، لم يعد لدينا القدرة على التعامل مع قضايا التحيز الضمني، وعدم المساواة الهيكلية والمنهجية بين الأعراق المختلفة.

وأخشى أن يتم تجاهل القرون التي شهدت منح امتيازات للأغلبية وحرمان الأقلية أثناء المناقشات الدائرة حول عدم المساواة والمسؤولية الشخصية. وأتساءل عما إذا كنا، كمجتمع به تنوع كبير وعدم مساواة قاسية في الوقت نفسه، قادرين على الاتفاق على العناصر التي تشكل المساواة. عندما نسمع كلمة مساواة، هل نفكر في تكافؤ الفرص أو المساواة في المعاملة بموجب القانون أو النتائج المتساوية أو بعض هذه العوامل مجتمعة؟

أخشى أن يكون هناك حالة من الضجر والملل الواضحة بشكل أكبر من أي وقت مضى - وفي بعض الحالات، عداء صريح - حول التركيز المستمر على المساواة بين الأعراق المختلفة.

وفي هذه اللحظة، يرى السود والبيض، على حد سواء، أن هناك تطورا كبيرا في قضية العنصرية للدرجة التي تجعلنا نشعر وكأننا نعيش في أميركتين منفصلتين بعضهما عن بعض. ووفقا لاستطلاع رأي أجراه مركز «بيو» للأبحاث، ونشره يوم الخميس الماضي، قال عدد من السود يصل لضعف عدد البيض تقريبا إن السود يُعاملون بصورة أقل عدلا من البيض من قبل الشرطة، كما قال عدد من السود يتجاوز ضعف عدد البيض إن السود يعاملون بصورة أقل عدلا في المحاكم، في الوقت الذي قال فيه عدد من السود يصل لثلاثة أضعاف عدد البيض إن السود يعاملون بصورة أقل عدلا في العمل، وفي المتاجر والمطاعم والمدارس ونظام الرعاية الصحية.

في الواقع، وجدت دراسة جرى إعدادها عام 2011 من قِبل الباحثين في جامعة تافتس وكلية هارفارد للأعمال أن «البيض يعتقدون أنهم قد أصبحوا محل السود كضحايا للتمييز العنصري في الولايات المتحدة في الوقت الراهن». وفي ظل هذه الحقائق المتباينة، يبدو أننا نسير في الاتجاه المعاكس لما كان يحلم به مارتن لوثر كينغ.

ويبدو أن الهجرة العظيمة؛ هجرة الملايين من الأميركيين ذوي الأصول الأفريقية من المناطق الزراعية في الجنوب في القرن العشرين، على موجتين، باتجاه المدن الكبيرة في الشمال، والغرب الأوسط والساحل الغربي، تحولت إلى تجربة فاشلة، حيث عاد كثير من السود إلى الجنوب أو خرجوا من المدن.

وقد أوردت صحيفة «يو إس إيه توداي» عام 2011: «تظهر بيانات التعداد التي صدرت حتى الآن هذا العام أن 20 من بين الـ25 مدينة التي تحوي كل منها 250 ألف شخص على الأقل، ويصل نسبه السود فيها إلى 20 في المائة من السكان شهدت رحيل السود عنها أو زيادة محدودة للغاية في أعدادهم أقل مما كانت عليه خلال التسعينات. وقد حدث هذا الانخفاض في بعض معاقل تقليدية للسود، مثل شيكاغو وأوكلاند وأتلانتا وكليفلاند وسانت لويس».

بالإضافة إلى ذلك، وجد استطلاع «رويترز - إيبسوس»، الذي صدر هذا الشهر أن «نحو 40 في المائة من الأميركيين البيض، ونحو 25 في المائة من الأميركيين غير البيض، يعيشون في مجتمعات من جنسهم».

وعلاوة على ذلك، هناك بعض الأدلة على أن مدارسنا أصبحت أكثر انقساما. فقد وجدت الدراسة التي صدرت هذا العام، وأجرتها دانا طومسون دورسي من جامعة كارولينا الشمالية في تشابل هيل أن «الطلاب صاروا اليوم أكثر انقساما عنصريا في المدارس عما كانوا عليه في أواخر الستينات، قبل تطبيق قرارات المحكمة بإلغاء الفصل العنصري في المناطق التعليمية في جميع أنحاء البلاد».

لقد تمنيت أن أكتب مقالا لإحياء هذه الذكرى. أردت أن أغرق في الحلم، لكني، بدلا من ذلك، مضطر لمواجهة هذه الحقيقة الساطعة.

* خدمة «نيويورك تايمز»