الذي هو أسوأ

TT

الأمر الإلهي واضح ومحدد، أن ندفع بالتي هي أحسن، نصيحة تصلح لكل فعل وكل مجال وكل ميدان. وأنا لم أتحول بعد إلى واعظ أو داعية؛ فقد فات الوقت لذلك. أنا فقط قادر على السماع إلى الكلمات، بل والحديث إليها أيضا. لست في حاجة إلى القواميس لأعرف معنى «الدفع» لشدة وضوحها، هي أن تدفع ما عليك، وأن تدفع بعيدا عنك كل ما يسبب لك الألم والأحزان، وهي أيضا بمعنى إقامة أسوار دفاعية تتحصن خلفها. هي إذن كلمة تلخص سلوكا دفاعيا كاملا. أما وسيلة هذا الدفع، فهي أن تقدم أفضل ما لديك. ورغم سهولة الإحاطة بهذا المعنى وفهمه، فإن عددا كبيرا منا عندما يخوض معركة، من صنعه أو فُرضت عليه، نجده يدفع بكل ما هو أسوأ. فتكون النتيجة أن يخسر معركته أو يخرج منها بغير نصر حاسم وقد تكبد خسائر كبيرة.

اختلفت معنا أوروبا أو اختلفنا معها، هي وأميركا، تماما كما حدث مع الجارة تركيا، لديهم قاموسهم، ولدينا نحن قاموسنا وآلامنا ودوافعنا التي دفعتنا للثورة ضد نظام يراه العالم كله منتخبا ونراه نحن نظاما مخادعا نصابا تمكن من سرقة أحلام المصريين في غيبة من الزمن، وكان لا بد أن نسترد منه بلدنا ونعيد وضعها على بداية الطريق السليم. حسنا لقد اختلفنا، وفي خلافنا معهم لا بد أن ندفع بكل ما نملكه من التي كانت أحسن. يجب ألا تكتشف جرائدنا فجأة أن أميركا قتلت الهنود الحمر، وأن تصدر دعوات لمقاطعة البضائع الأميركية، وأن توقف محطات التلفزيون في مصر المسلسلات التركية، وأن الأوروبيين قساة كثيرا ما استعمروا الشعوب. أفضل ما لدينا هو أن نشرح أنفسنا في هدوء وتهذيب، ونمضي بإصرار في طريقنا لصنع ديمقراطيتنا واستعادة حريتنا كدولة وشعب عريق. كل هذه العواصف لا مستقبل لها، لأنها عاجزة عن تغيير ما تمكن المصريون من صنعه، ويجب، عندما تنتهي هذه الخلافات وسيحدث ذلك في القريب، ألا نضيع وقتنا في البدء من جديد في علاقاتنا التجارية والثقافية. أفضل ما لدينا هو الحفاظ على كل علاقاتنا التجارية مع البشر جميعا، احترسوا من التدخل في حرية التجارة فثمن ذلك كبير.

يقول المثل الشعبي الذي يرقى إلى أن يكون قاعدة حياتية «إن خانقت جارك، ابقيه.. وإن غسلت ثوبك انقيه». ابقيه، بمعنى أن تبقى على علاقتك الإنسانية به، لا تقطع بينك وبينه بالكلية، وعندما تغسل ثوبك فاحرص على أن تجعله نقيا كل النقاء، وفي الحالين كما ترى، أنت تدفع بالتي هي أحسن.

الآن.. علينا أن نتكلم مع المجلس البريطاني من أجل المزيد من التعامل الثقافي مع مصر، علينا أن نعيد الاتصال بكل المراكز الثقافية في الغرب للقيام بمزيد من النشاط في مصر. علينا بدعوة أكبر عدد من المثقفين الأميركيين للقاء في مصر ليتعرف كل منا على ما يعانيه الآخر.. هذا هو الوقت الذي ندافع فيه عن أنفسنا بأفضل ما لدينا، وليس بالغضب المنفلت والشتائم.