الاتحاد الخليجي ليس ضد أحد

TT

تسعى دول الخليج دائما لأن تعيش في أمن وسلام مع جيرانها وهي تقترب من تحقيق فكرة «اتحاد الخليج العربي بين دول مجلس التعاون» ولو سبرنا آراء الناس في هذه المنطقة لوجدنا أن هذا كان حلما وتطلعا جماهيريا منذ نشأة المجلس، فهدف الاتحاد بالدرجة الأولى، هو تحقيق الرفاهية والأمن والازدهار لأبناء المنطقة جميعا.

لكن بعض القوى لها تخوفاتها من تحقيق هذا الاتحاد، وهذا ليس بالأمر المستغرب، فإيران «بتركيبتها الآيديولوجية»، ترى في أي اتحاد إلى جوارها ربما يكون تهديدا لمصالحها، أو أنه موجه ضدها، وهذه مغالطة كبيرة ليست في محلها.

لا شك في أن هذا الاتحاد ـ إذا ما تحقق ـ يمنح هذه الدول قوة مادية وسياسية أكبر، وقوة تفاوض أكثر تأثيرا، وقوة ردع فاعلة على الصعيد الأمني، خصوصا في ضوء الخطوات التنسيقية بين هذه الدول على مستوى سياستها الأمنية - الدفاعية، بما يجعل أمر أي اختراق بلا جدوى في حال قيام هذا الاتحاد.

أما أصحاب المصلحة في الوقوف ضد هذا الاتحاد، من غير من أشرنا إليهم، فبعضهم آيديولوجيون أيضا، ولا يجدون أي حرج في الاعتراف بذلك صراحة، ويخشون من كلمة «اتحاد» لأنهم ربما يرون في حال تحقق هذا الاتحاد – الذي لا يزال أمنية يسعى إليها الخليجيون - سدا منيعا وقوة جارفة ضد أفكارهم التي ترى في هذا الاتحاد المنشود عقبة كأداء لتحقيق أمانيهم وتطلعاتهم.

وهناك آخرون - وهم أقلية - من أصحاب المصالح الآنية الضيقة الناجمة عن حسابات آنية لا ترى المستقبل ولا تستطيع أن تقرأه، وهم في الغالب الأعم قلقون من أن يؤثر الاتحاد على هوامش أرباحهم وما يجنونه من مكاسب آنية، من الوضع الحالي ويدفع بهم قصر النظر نحو زوايا ضيقة جدا لا علاقة لها بالتاريخ ولا بمصير الشعوب في هذه المنطقة.

أما النخب الخليجية المتفهمة، فهي ومنذ نشأة مجلس التعاون الخليجي، تقف مع الاتحاد الخليجي - والمجلس إحدى أدوات تحقيقه - رؤية وإنجازا وأفقا، بل وارتبط حلم الاتحاد عندهم بحلم وحدة العرب، باعتباره خطوة في الطريق إليها، وقد حمل هذا المثقف هذا المشروع فكرا وإبداعا وانفعالا، وطالما ناضل من أجله كحتمية تاريخية، ورغم كل الهزات، التي تعرضت لها المنطقة ظلت هذه النخب تحمل هذه البذرة طموحا، ورغم الإحباطات المتتالية وعدم القدرة رسميا على بلورة هذا الحلم وترجمته على أرض الواقع بالسرعة المطلوبة، فإن المثقف ظل مؤمنا بأن هذه الوحدة هي قارب النجاة الوحيد لمستقبل المنطقة وأبنائها في مواجهة التحديات والأطماع الخارجية، خصوصا أن المعطيات الموضوعية تفرض الاتجاه نحو الاتحاد، فالتواصل الجغرافي والاجتماعي والتاريخي وحاجة الشعوب الماسة لبعضها البعض، وتَشاركها في التطلعات والطموحات، واقتناع الساسة بأن استقرار السلطة لن يكون إلا بالتجاوب مع حاجيات الشعوب، عوامل داعمة لفكرة الاتحاد ومعجلة به، ولكن هذا الاتحاد الذي يطمح إليه الجميع - باستثناء تلك القلة الغارقة في الأوهام البائسة - هو الاتحاد الذي يبنى على أساس شبك المصالح ليكون بين شركاء متساوين في الحقوق والواجبات والمكانة، مع الحفاظ على الاستقلال والسيادة وبناء أكبر سوق من موارد وأفكار وقيم وقوانين، وفتح الفضاء الخليجي أمام تحرك السكان والرساميل كأهم شرط للنهضة الاقتصادية الشاملة والتسامح والتنوير.. وفي مواجهة التهديدات الخارجية المتزايدة والاستخفاف الفج بالمنطقة وسكانها.

أن يكون هنالك جدل حول هذا الاتحاد وشكله وآليات تنفيذه ومنافعه والمخاوف المشروعة وغير المشروعة التي يمكن أن يثيرها عند البعض، فهذا من طبائع الأمور، بل هذا من طبائع الشعوب الحية، ولا لوم على من يناقش الأمر المصيري بروح العقل والاتزان التي تصب في المصب الرئيس للأمة من داخل الرؤية الصميمة المنسجمة مع حلم هذا الشعب وتطلعاته المشروعة في الحرية والعدالة والوحدة، أما أن تتنادى بعض الأصوات ضد مجرد الحق في الحلم المشروع الذي تتعلق به همم عرب الخليج منذ نشأة دوله الحديثة، فذلك أمر يدعو إلى الاستغراب خصوصا من حجم الهستيريا التي أصيبت بها هذه الجماعات والقيادات المرعوبة من مجرد الدفع بها نحو المصب العربي، ولا شك أن البحث في حيثيات وخصائص هذا الخطاب المرعوب من عروبة الخليج والمشدود إلى الهويات الطائفية الضيقة، سوف يصطدم بالواقع، هذه الهستيريا التي يبدو أنها جرفت معها قسما من هؤلاء المرعوبين، قد أظهرت إلى أي مدى جرى العصف بالثوابت والنكوص عنها!

* كاتب وإعلامي

من البحرين