بدأ العد العكسي.. ولكن لأي غاية؟

TT

«سندافع عن أنفسنا بالوسائل المتاحة».. هذه الكلمات التي جاءت أمس على لسان وزير الخارجية السوري وليد المعلم، خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في دمشق، تشكل خطوة متقدمة على لازمة «نحتفظ بحق الرد»، التي اعتدنا على سماعها.

لقد تابعت باهتمام مؤتمر المعلم، ولم أفاجأ بغالبية ما سمعته.

فالوزير المعلم، في نهاية المطاف، موظف في وزارة الخارجية ولكن برتبة وزير. وقصدي أنه، مع احترامي له، مجرد منفذ أوامر تصدر إليه ولا قدرة لديه على مناقشتها.. ناهيك عن قدرته على ردها. والذين يعرفون تاريخه الدبلوماسي، ومَن عايشوه في محطات حساسة من مسيرته الطويلة، يقولون إن الرجل أقل حيلة من أن يعترض أو يخالف.. فما بالك أن ينشق؟

بالأمس، تكلم المعلم - وهو الذي كان سفيرا لدى الولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي، يقدر جيدا حجم قدراتها العسكرية وإمكانياتها التأثيرية في المجتمع الدولي - باللغة القاصرة التي يفهمها إعلام محلي مُدجّن مغسول الدماغ.. يثرثر بشعارات لا يفهم منها ولا يعنيها. كذلك كان يتوجه إلى جمهور محلي مغلوب على أمره يتعامل معه النظام الأمني كرهينة منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن. أما بالنسبة لجمهور المستمعين خارج سوريا، فكان الوزير المعلم يدرك سلفا أنه جمهور مُشكِّك لن يصدقه.. لكن في الوقت ذاته كان عليه - أي المعلم - أن يحاول جهده أن يبدو أمامه طبيعيا، واثقا من نفسه، ومقتنعا بما يروجه.

كانت طريفة جدا ملاحظته كثافة حضور المراسلين الإعلاميين المحليين مقابل ضآلة حضور المراسلين الأجانب، والأرجح أنه لم يباغَت بهذا الواقع.

أصلا، كانت سياسة النظام، منذ اختياره القمع الدموي أسلوبا للتصدي للانتفاضة الشعبية السلمية، تقوم على إبعاد الإعلام.. تقيّدا بالمثل الشعبي السائر «على مَن يكذب.. إبعاد الشهود». وحقا، على امتداد أكثر من سنتين ونصف السنة تفنن النظام في إبعاد الشهود، وأحيانا قتلهم، والتضييق على الإعلام المستقل مقابل تجييشه أبواقه للتضليل و«الفبركة» في كل مناسبة.

لا أدري لماذا ذكّرني أسلوب الوزير المعلم بأسلوب زميله العراقي محمد سعيد الصحاف، وزميليه الليبيين خالد الكعيم وموسى إبراهيم؟

من جهة ثانية، كان لافتا شعور المراسلين الحاضرين بخيبة الأمل، بل والقلق، من الموقف الروسي الذي عبر عنه وزير الخارجية سيرغي لافروف، وتحديدا عن أن «موسكو لن تنجر إلى حرب حتى لو حصل تدخل عسكري في سوريا». والحقيقة أنه كان من حق هؤلاء المراسلين أن يقلقوا بعد طول مكابرة من النظام و«عنتريات» لا تنتهي من أبواقه داخل سوريا.. وفي لبنان.

أيضا كانت مفاجأة لكثيرين أن يقرر المجتمع الدولي التحرك بعدما كاد متابعو المأساة السورية يفقدون الأمل من صحوة ضمير تردع طغمة استمرأت القتل، وراهنت على سلبية أميركية طالت أكثر مما ينبغي أمام انتهازية روسية - صينية فظيعة. وكما هو معروف راح ضحية تلك السلبية وهذه الانتهازية، بعد «الفيتوهات» المزدوجة الثلاثة، عشرات الألوف من المواطنين السوريين، وتعقد الوضع الداخلي السوري بدخول جماعات متشددة.. ضاق بها وبتطرفها المواطنون، بدليل ما حصل في محافظة الرقة ومناطق من محافظتي دير الزور والحسكة.

ثمة إجماع اليوم على أننا بصدد ضربة أميركية أكد الدكتور منذر ماخوس، سفير الثورة السورية إلى فرنسا، بالأمس بداية العد العكسي لها، خلال لقاء تلفزيوني شارك فيه.

التحركات والتصريحات في العواصم الغربية وغير الغربية توحي بأن أوان الكلام انتهى، وبدأت مرحلة جديدة في التعامل مع نظام يعيش في عالمه الخاص، ويتصور أنه قادر على اللعب على التناقضات إلى ما لا نهاية. وواضح، الآن، أن شيئا ما غدا جاهزا بعدما وضعت اللمسات الأخيرة عليه، وأن عادتي التذاكي على الآخرين والكذب على النفس، اللتين صارتا جزءا من كيمياء النظام السوري منذ ترويج عبارة «لا حرب من دون مصر.. ولا سلام من دون سوريا».. ما عادتا مجديتين.

هذا يعني أن علينا توقع الضربة، لكن ما هو حجم الضربة أولا؟.. وما هي الغاية منها ثانيا؟

ثمة كلام عن أن الضربة لن تشمل أي تورط قتالي على الأرض، وفق تعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما، وأنها ستتجاوز عقبة موافقة مجلس الأمن الدولي – حيث «الفيتو» الروسي والصيني – كما لمح وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ.

هذا يعني أنها ستكون ضربة «تأديبية وتحذيرية» تفهمه أن السكوت على تماديه في الإجرام ما عاد مقبولا، إلا أنها تهدف، بالتوازي مع التأديب، إلى هدف آخر هو إضعاف قدرة النظام على استخدام مخزونه من أدوات القتل. واستطرادا، ينظر بعض المراقبين أن ضربة من هذا النوع، لا سيما في ضوء التراجع الروسي، ستدفع النظام إلى طاولة التفاوض في «جنيف 2» من دون أوهام. وهذا مسار ينسجم مع الكلام الغربي المتكرر على امتداد الشهور الفائتة عن حتمية «التسوية السياسية». لكن في المقابل، إذا سلمنا جدلا بأن روسيا أشاحت بوجهها عن الضربة المرتقبة، وأن كلام المعلم بالأمس نسخة مألوفة من مكابرة النظام في الوقت المحتسب بدل الضائع، فإن علينا التساؤل عن رد فعل إيران.

كيف ستتصرف إيران؟ ومن سيتخذ القرار.. المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، أم الرئيس الجديد حسن روحاني، أم الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري؟

وكيف سيستقبل حزب الله اللبناني الأمر؟.. هل سيواصل تورطه القتالي بعد أخذ المواجهة أبعادا أكبر وأخطر؟.. هل سيحوّل الأنظار فيتحرش بإسرائيل لتوسيع إطار الأزمة؟

وأساسا، هل اقتنع الحزب وقادته بأنه في أعقاب متفجرات الضاحية وطرابلس بات مصير لبنان كله على كف عفريت، لكنه مع هذا فهو ملتزم بخيار تقسيم المنطقة إلى كيانات فئوية سيخرج منها بنصيب؟

نحن الآن على عتبة استحقاقات جديدة. والمهم أن يكون الجهد العسكري في مستوى الغاية السياسية الأساسية التي يجب أن تكون إنقاذ الشعب السوري من نظام قاتل، وإتاحة المجال للسوريين وإخوتهم وجيرانهم للعيش في أوطان حرة تتسع لجميع مكوناتها، وتحترم هوياتها، ويشعر كل مواطنوها بأن لهم حقوقا إنسانية.. من دون فرض أو إملاء.