سوريا.. أي الأسلحة بحوزة الجانب الخاطئ؟

TT

لقد شاهدت صور الأطفال السوريين عدة مرات. وقد حاولت أن أفهمها: كيف يمكن لشخص له قلب أن يسمح بمثل هذا؟ بعدها، استمعت إلى أصوات وتعليقات وتحليلات من أجزاء عدة من العالم. كان أمرا مروعا بالنسبة للبعض، فيما لم يعزُ إليه آخرون أي أهمية على الإطلاق. في المقام الأول، هي منطقة الشرق الأوسط ودائما ما يلقى الناس حتفهم هناك. أطفال، أسلحة كيماوية، ما وجه الاختلاف؟

من الصعب استنزاف الإنسانية. يتعين على المرء أولا أن يمقت استنزافها. الكراهية يسيرة. «اكره واحم نفسك»، «اكره واحم إيمانك»، «اكره واحم أسرتك»، «اكره واسحق الطرف الآخر ونمِّ قوتك».. إذن أصبح هذا هو الوضع الطبيعي، فسوف تكون نهاية الإنسانية. وحينما تستنزف الإنسانية، تكون هناك بعض الإجراءات الوقائية التي يمكنك اتخاذها. إنك تنظر فقط إلى الأطفال المتألمين بالطريقة نفسها التي ينظر بها العالم بأسره إلى سوريا الآن.

الأسلحة الكيماوية جزء مروع من المأساة السورية، ولكن هذه المأساة مستمرة منذ ثلاثة أعوام في دولة لقي فيها ما يزيد على 100 ألف شخص مصرعهم. جرى تجاوز الخط الأحمر منذ فترة طويلة. بالطبع يعتبر استخدام الأسلحة الكيماوية جريمة ضد الإنسانية. غير أن الأطفال والمدنيين يسقطون قتلى في أوطانهم على مدى ثلاثة أعوام من القصف، أم أننا قد اعتدنا أن نقتل بالتفجيرات؟ هل باتت الآن تشكل جزءا من حياتنا اليومية لا جرائم ضد الإنسانية؟

ويتمثل أهم سؤال يجري السعي للبحث عن إجابة عنه في من اخترق المذبحة الكيماوية هذه؟ دعونا نلقِ نظرة:

كان حافظ الأسد والد بشار ديكتاتورا دمويا. حينما دخل حماه في عام 1982 قتل 48 ألف شخص، بينهم نساء وأطفال. وتوفي 15 ألفا آخرون في السجون في الأيام التالية. كان هناك هدف واحد فقط؛ تدمير هذه المنطقة التي تؤوي المعارضة! ربما يقتل نساء وأطفالا ومدنيين؛ لا مشكلة. هنأ أنصار حافظ الأسد إياه على هذه المذبحة في حماه، وسط حلقات من الإطراء والثناء.

كان صدام حسين أكثر الحكام الديكتاتوريين دموية في عصره. في عام 1988، شنت ثمانية طائرات «ميغ 23» هجوما بغاز سام على حلبجة. وراح ضحيته خمسة آلاف مدني، وقتل نساء وأطفال. وكشفت التحقيقات بعد حرب العراق عن أن العدد الحقيقي كان أكبر بكثير. ركزت تلك المذبحة أيضا على هدف واحد، وهو تدمير منطقة تؤوي المعارضة الكردية.

دعونا ننتقل إلى الهجوم على الغوطة الأسبوع الماضي. الغوطة منطقة غير مستقرة متصلة ظاهريا بدمشق على الحدود اللبنانية. وتعرف بأنها القاعدة الأساسية للجناح الراديكالي من الجيش السوري الحر، ولهذا ظلت عرضة للقصف بالقذائف والصواريخ منذ فترة طويلة على يد نظام الأسد: يعرف حزب الله بوجوده هناك كقوة مضادة للمعارضة. ومن ثم، تزيد الظروف من احتمال أن يسعى بشار، على غرار والده وصدام، إلى «محو منطقة تؤوي المعارضة»، من دون استثناء النساء أو الأطفال.

يجمع هؤلاء القادة الدمويين الثلاثة قاسم مشترك واحد، ألا وهو انتماؤهم لحزب البعث. يقف الحكام الديكتاتوريون الماركسيون على الطرف الأقصى من الوحشية. سوف يفعل الحكام الديكتاتوريون الماركسيون أي شيء من أجل البقاء. المكسب أو الخسارة، إنهم يقتلون الناس لأنهم دائما ما يرغبون في الظهور بمظهر أقوى. إنهم يحيون في ظل التهديدات والمعوقات والخوف. يأتي هذا الهجوم الكيماوي الذي راح ضحيته أطفال يتجرعون ويلات الألم متوافقا بدرجة كبيرة مع دوافع النظام الديكتاتوري لحزب البعث.

علاوة على ذلك، فإن التطرف والطبيعة المخيفة للجماعات الراديكالية التي قد اخترقت صفوف المعارضة حقيقة معروفة. إن دعم الجماعات الراديكالية ضد نظام ديكتاتوري قمعي هو مجرد تفضيل لكارثة على أخرى. علينا أن نركز على الوصول إلى حل؛ سريع وفوري وفعال.

على تركيا وأميركا ودول المنطقة، اتخاذ إجراء معا. من المهم هنا التغلب على مخاوف روسيا. لا أعتقد أن روسيا ستتخذ رد فعل جادا تجاه أي إجراء، إذا شنته قوات التحالف بسرعة. نكرر مرة أخرى السبيل المثلى هي تهدئة روع روسيا بإعطاء بوتين الضمانات اللازمة. سيكون من الأيسر بكثير ضمان دعم بوتين، إذا منحت ضمانات فيما يتعلق بإقامة حكومة جديدة في سوريا تحت إشراف وحماية روسية ووضع أراض سورية تحت حماية روسيا، وتأمين القواعد العسكرية الروسية في سوريا - سوف تمثل الضمانات الروسية نقطة مرجعية مهمة بالنسبة للصين.

أما عن إيران، فسوف يجدون أنفسهم منعزلين في ظل تلك الظروف، ولكن ليس من الصعب إدراك أن إيران ستكون في أي حال مغلوبة على أمرها في مواجهة مثل هذا التحالف.

لا يهم من نفذ الهجوم بالأسلحة الكيماوية بالنسبة لذلك التدخل. الأمر المهم هو ردع الأسد ووقف الحلقة التي لا تنتهي من المذابح في سوريا. وتتمثل الخطوة التالية مباشرة في وقف الجماعات الراديكالية؛ ولهذا، من المهم بالنسبة لحكومة ائتلافية أقامها تحالف الدول المعني أن تعقد العزم على الفور.

من اللازم تشكيل ائتلاف ديمقراطي لا يضم راديكاليين وتحت إشراف الدول الديمقراطية.

بصرف النظر عن اليد التي تحمل السلاح للقتل، فإنه ما زال يحمله الجانب الخاطئ؛ سوف يستخدمه قاتل لا محالة في القتل. من ثم، فبدلا من الجدال حول ماهية الجانب الخاطئ الذي يحمل السلاح، ينبغي أن نركز على وضع حد للقتل. ومن ثم، يمثل كل من الإجراءات السريعة والإجراءات الوقائية السريعة ضرورة. يجب ألا يهدأ العالم ويكتفي بالوقوف موقف المتفرج من المذابح في سوريا.