بين التحذير.. وتغيير قواعد اللعبة في سوريا

TT

يبدو أننا على مسافة بضعة أيام على أبعد تقدير على استهداف مواقع الجيش السوري وبنيته التحتية من قبل قوات الحلفاء الغربيين، انتقاما لهجوم بالأسلحة كيماوية، يقال إنه قتل المئات من الرجال والنساء والأطفال في إحدى ضواحي دمشق في 21 أغسطس (آب) الحالي.

وقد قامت كل من قادة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وكذلك أمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي، بإدانة استعمال الأسلحة الكيماوية بشدة، متوعدين بأنه لا ينبغي أن يمر من دون عقاب. فما حدث هو انتهاك همجي للمعايير الدولية بما في ذلك بروتوكول جنيف لعام 1925، والذي يحظر استخدام الأسلحة الكيماوية.

عدا عن رسائل تحذير من إيران وروسيا والصين من مغبة التدخل ضد الرئيس السوري بشار الأسد فقد أحدث قرار توجيه ضربة عسكرية لسوريا زخما قويا في العواصم الغربية. فشبح حرب العراق لن يمنع من تحقيق استجابة قوية هذه المرة.

ومع ذلك فإن الخطوة تزداد تعقيدا عندما يتعلق الأمر بالتفاصيل، حيث يمكننا تصور شكوك إدارة أوباما والمحللين الاستراتيجيين البريطانيين والأميركان حول ماهية المسار الصحيح للخطوة.

وهناك إجماع على أن مخزون النظام من الأسلحة الكيماوية ووسائل إطلاقها ستكون الأهداف الأساسية للهجمات البحرية والجوية. ومع ذلك هناك خطر من الانجرار إلى استهداف مراكز القيادة في الجيش السوري أو معسكرات تدريب الميليشيات الموالية للأسد. لذلك يصبح السؤال من النواحي الأخلاقية والقانونية والسياسية والاستراتيجية: ما حدود هذا التحرك؟

أحد المبادئ الرئيسة لنظرية الحرب العادلة التي وضعت منذ قرن من الزمن هو الاتساق. من هذا المنظور من المهم ألا ننسى الفظائع الأخرى التي جرى ارتكابها خلال الحرب الأهلية الدائرة في سوريا من قبل كل من النظام والمعارضة.

المبالغة في التعاطي مع حادثة بعينها حتى ولو كانت بخطورة ما حدث في 21 أغسطس يشير وبوضوح إلى مدى التحيز وعدم الاتساق في المواقف. والأميركيون على وجه الخصوص يبدو أنهم يعون ذلك، حيث صرحوا بأن التدخل العسكري الذي يلوح في الأفق لن يكون حول تغيير النظام، ومع ذلك فإن نشر قوة عسكرية قد يغير من قواعد اللعبة.

إن احتمال قيام جماعات دينية مختلفة، بالاستيلاء سريعا على بعض المدن السورية الرئيسة هو أسوأ من استمرار ديكتاتور دموي يصارع من أجل البقاء في وقت تنهار فيه معظم المدن السورية نحو المزيد من الفوضى. هذا ما يمكن أن يؤدي إليه التدخل في حال ذهب خطوة واحدة أبعد من مجرد استهداف ترسانة النظام الكيماوية، وذلك بتدمير البنية التحتية للجيش، وتحطيم الروح المعنوية لدى أفراده. فمن دون الدعم الدولي اللازم لن تكون المعارضة السورية المعتدلة مستعدة للاستفادة من مثل هذا التغير الجذري الواقع على الأرض.

سيكون للأزمة السورية أو أي محاولة انتقامية محتملة من قبل النظام السوري أو وكلائه أو حلفائه بالمنطقة، القدرة على التأثير بشكل خطير على أمن الدول المجاورة بما في ذلك حلفاء الغرب مثل تركيا وإسرائيل.

وبالتالي هناك أيضا خطر انجرار كل من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى إلى صراع آخر سيكون هذه المرة رغما عنهم.

وفي الجهة المعاكسة فإن توجيه ضربة جراحية تهدف فقط إلى إرسال إشارة تحذيرية حول استخدام أسلحة كيماوية، قد تأتي متأخرة وذات مفعول قليل. عندها سيكون الأمر كقيام أحدهم بفض اشتباك بالسكاكين بين مجموعة من الأطفال وإجبارهم على استخدام العصي بدلا عنها.

لذلك وعلى الرغم من التباين في المواقف حول سوريا بين الغرب من جهة، وحلفاء الأسد الدوليين من جهة ثانية، فإن تجاهل المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الصراع سيكون خطأ فادحا. هناك إشارات متضاربة حول هذه النقطة. فعلى الرغم من قيام الولايات المتحدة بتأجيل اجتماع آخر مع روسيا، تشير تقارير أخرى إلى أن كلا الجانبين لا يزال ملتزما إلى حد كبير في مؤتمر جنيف الثاني للسلام.

ويجري عقد الكثير من نقاط التشابه بين تدخلات عسكرية سابقة وما من ممكن أن يحدث في سوريا. ومن بين هذه الأمثلة قيام قوات حلف شمال الأطلسي بقصف القوات الصربية علم 1999 بعد فشل محادثات السلام بشأن كوسوفو. وهناك بعدان لهذا المثال: أولا كان عدد الضحايا بين قوات حلف الشمال الأطلسي معدوما، الأمر الذي يعد بمثابة رقم قياسي يبدو أن القادة الغربيين حريصون على تكراره. ثانيا على الرغم من أن قانونية الخطوة كان متنازعا عليها نظرا لعدم وجود دعم محدد من قبل مجلس الأمن، لا يزال ينظر إليها على نطاق واسع كخطوة شرعية.

عندما تجري طباعة هذا المقال لن يكون أعضاء مجلس الأمن قد قاموا بالموافقة على مشروع قرار طرحته بريطانيا بعد. وفي رأيي ما هو أكثر أهمية من الحصول على دعم مجلس الأمن هو انتظار إصدار نتائج تحقيقات الأمم المتحدة في الحادث الذي وقع في 21 من أغسطس الحالي، على الرغم من أن طبول الحرب قد قرعت.