مصر ولادة!

TT

لعل أحد أهم إخفاقات جماعة الإخوان المسلمين في حكم مصر عن طريق ذراعها السياسية المعروفة باسم حزب الحرية والعدالة، هو فشلها في قراءة الواقع الاجتماعي جيدا في مصر، وإصرارها على أنها وحدها تشكل المرآة السياسية والاجتماعية لمصر ككل.

اعتمد هذا الفريق على مجموعة خاضعة، مسيّرة بلا شخصية ولا هوية ولا طعم ولا لون ولا رائحة، حتى يمكن التحكم فيها تماما وقيادتها عن بعد. هكذا كانت الرئاسة في مصر ورئاسة الوزراء والوزراء أنفسهم وكبار التنفيذيين إبان حقبة محمد مرسي الماضية. وبالتالي عندما جاء عبد الفتاح السيسي بموقفه التاريخي الذي اتخذه في تأييد الخروج الشعبي المهول المطالب برحيل محمد مرسي كان «حراكه» و«قراره» مفاجئين و«صادمين جدا» لـ«الإخوان» أنفسهم، لأنهم اعتمدوا في قرارهم باختياره وزيرا للدفاع على أن عمه كان من المنتمين للجماعة وحكم عليه بالسجن، وأنه بالتالي سيكون الرجل المناسب ليجيء مكان طنطاوي وسامي عنان رجلي الحرس القديم في وزارة الدفاع واللذين جرى إعفاؤهما فورا.

عبد الفتاح السيسي مثله مثل معظم المصريين، فيه النزعة الدينية الفطرية، فهو رجل مؤد للصلاة، وحافظ لكتاب الله، وزوجته محجبة وكذلك بناته.. محافظ في حياته الشخصية، لا يرغب ولا يحب الظهور الإعلامي، منضبط في شخصيته وعمله، فخور بوطنيته وبمن يعمل معه. وما هو موجود في عبد الفتاح السيسي موجود في غيره، وهي المسألة التي رفض تماما أن يدركها «الإخوان المسلمون» بجهل وغرور، ورفضوا الاستماع لنصح الآخرين بشكل عجيب وغريب.

فهناك شخصيات مصرية مميزة جدا وناجحة للغاية جارٍ التباحث معها لتكون جزءا من الفريق الإداري المرشح للمرحلة المقبلة.. شخصيات فذة وناجحة مثل الاقتصادي المالي العالمي محمد العريان، والمعروف بنظرته الواسعة في قراءة تقلبات السوق المالية الدولية وحنكته في إدارة أكبر الصناديق الاستثمارية مما مكنه من أن يصل لمكانة مميزة كمستشار اقتصادي للرئيس الأميركي. وهناك عادل اللبان، وهو قد يكون على الأرجح أحد أهم مصرفيي مصر اليوم، فهو ناجح بامتياز، وإداري استثنائي، وله باع مهم في العلاقات المالية مع دول الخليج العربي وشبكة علاقات مميزة وسمعة لا غبار عليها أبدا، ويعلم مصر وبواطنها بشكل فريد في نوعه. وهناك مجدي يعقوب الطبيب البريطاني المصري الأصل الذي أنشأ مؤخرا مركزا عالميا لأمراض القلب في مدينة أسوان، وهو يدار على أفضل المستويات، وله علاقات مهمة مع كبرى المؤسسات الطبية الدولية. وهناك حامد الشيتي، رجل المال والاقتصاد والسياحة، وصاحب شركة «ترافكو» كبرى الشركات السياحية في منطقة الشرق الأوسط، وهو مستثمر سياحي مهم في أوروبا وقادر على أن يكون محوريا في العلاقات السياحية الدولية مع مصر.

هذه ما هي إلا مجرد نماذج من القدرات المصرية الموجودة و«المحجمة» والتي من الممكن الاعتماد عليها وإعطاؤها أدوارا في تنمية بلادها آن أوانها، وهي مسألة كانت دوما تغيب عن «مخيلة» جماعة الإخوان تحديدا، وإعطاء الانطباع بأن كل من ليس معنا فهو مشكوك في قلبه وفي انتمائه وفي توجهاته وفي أهدافه، مما خلق فجوة مهولة من الثقة كان من الصعب ردمها، وكانت الثورة الشعبية ضدهم.

رأس المال الحقيقي للدول والشعوب هو القوى البشرية، ومتى ما خرجت جماعة تدعي أن هناك فئات أنقى أو أتقى من غيرها داخل المجتمع الواحد كانت هذه بدايات الفتنة وبالتالي نهاية هذه الجماعة.