إسقاط الصخور في الضباب السوري

TT

بدأ الحشد قويا في الصحافة خلال الأيام الأخيرة، كما لو كانت مباراة لكرة القدم من التأهب والتدافع والاحتكاك لدفع الرئيس باراك أوباما لركل كرة التدخل العسكري لعبور الخط الأحمر بشأن سوريا. لكن السرعة والدفع باتجاه الخط تنقل زخم حقيقة لا مجال للطعن فيها، وهي أنه لم تكن هناك أدلة مطلقة منشورة تدعم الادعاء باستخدام قوات الرئيس السوري بشار الأسد غاز السارين أو مسؤوليتها عن هذه الهجمات بالأسلحة الكيماوية ضد شعبه.

هذا الأمر غير مرحب به كما يبدو لدى بعض الحكومات الأوروبية والإقليمية، التي تدعم التدخل الأميركي، ولا الروس ولا الصينيين، وكل منهم ممثل تمثيلا جيدا على أرض الواقع في سوريا، ولا يثقون بأي من النتائج الأميركية السابقة التي تقول باستعمال الأسلحة الكيماوية من قبل قوات الأمن السورية أو هذا الادعاء الأخير. في المقابل، قدمت روسيا في السابق أدلة إلى مجلس الأمن الدولي تثبت أن قوى المعارضة هي التي استخدمت غاز السارين ضد المدنيين (مرددة النتائج التي توصلت لها كارلا ديل بونتي، المدعية الدولية السابقة ومفوضة الأمم المتحدة الحالية في سوريا). ويقول المسؤولون الروس إن آخر استخدام للغاز أطلق عبر صاروخ محلي الصنع، من موقع معروف تحت سيطرة المعارضة.

وعلى الرغم من مساعي المجتمع الأوروبي (بريطانيا وفرنسا) لتوجيه ضربة عسكرية حتى قبل أن يجري جمع الأدلة، كانت الإدارة الأميركية أكثر حذرا. كان ذلك نوعا من الحكمة تبديه الإدارة.

الحروب دائما غادرة في حقائقها، وكي توجه الولايات المتحدة ضربة عسكرية من دون موافقة مجلس الأمن (وهو ما لن يحدث) فإن من شأن ذلك أن يشكل «عملا من أعمال الحرب» غير القانونية ضد دولة ذات سيادة، إضافة إلى أنها تعد جريمة (سابقة كوسوفو لا يمكن أن تغير عملا غير قانوني إلى عمل قانوني).

لكن الأهم من ذلك، ما هي النتيجة المتوقعة لإطلاق صاروخ كروز على هدف عسكري في سوريا، على سبيل المثال.. هل سيكون هجمة خطابية، كما كانت، بدلا من تدخل عسكري كامل؟

حتى الآن، دائما ما كانت سوريا تغض الطرف، فالحكومة تعرف جيدا أن القوات الخاصة الغربية تدعم الثوار، ولكنها اختارت أن تغفل هذا الجانب السري. وكان الأسد يصر دائما، على أن السيادة السورية خط أحمر، وأي هجوم صريح وشعبي أميركي على بلاده سيكون اجتيازا لهذا الخط. ومن ثم لا يتوقع على الإطلاق أن تقف الحكومة السورية مكتوفة الأيدي، وألا ترد. كما أنه لا يتوقع أن تتسامح روسيا أو الصين بسهولة مع الغرب مرة أخرى (بعد ليبيا) لتجاوزها الأمم المتحدة والنظام الدولي لتشكيل جبهة غير نشطة هي «أصدقاء سوريا» لتضفي الشرعية على عملها العسكري غير الشرعي.

بيد أنه ما لم يتضح بشكل كامل ماهية النتائج داخل سوريا بسبب مثل هذا التدخل، فهل يتخيل أحد حقا أن هجوما بصواريخ كروز على أراضيهم سيجعل المواطنين السوريين يتوقون إلى استيلاء فصائل المعارضة الغضة الإهاب في السياسة والمتحاربة والعنيفة على بلادهم؟ أعتقد أنها ستفعل العكس بطبيعة الحال، وسوف يعزز ذلك من مكانة الرئيس الأسد. ولكنها سوف تعزز في الوقت ذاته من اعتقاد المتطرفين ورعاتهم من أجهزة مخابرات أنه من خلال «مجزرة» يمكن أن يلقى فيها اللوم على الأسد يستطيع الغرب الإطاحة به، وهي نتيجة لم تتمكن المعارضة من تحقيقها بمفردها.

ومن ثم، هناك «المجاهيل المعروفة»: معظم دول منطقة الشرق الأوسط تشعر بالغضب والخوف، أيضا، ومنقسمة بمرارة وتزداد وتيرة العنف فيها. وفي ذلك فان إطلاق بضعة صواريخ كروز في هذه المنطقة المتقلبة، غير المستقرة، يعني ببساطة دعوة غير متوقعة لأمر غير مرغوب ليبرز إطلالته المتفجرة.

* ضابط المخابرات الخارجية البريطانية السابق في الشرق الأوسط،

*خدمة «غلوبال فيو بوينت»