الضربة العسكرية الدولية لنظام الأسد

TT

السياسة قبل الحرب، السياسة هي دائما في المقام الأول، فالحروب تخاض لأجلها، والصراعات كبرت أم صغرت تنطلق منها وتنتهي إليها، والرضا بالحلول السياسية مفيد ولكن بعد فرض الشروط، وحسن الاستفادة منها.

سترتبك كثير من التيارات الفكرية والسياسية في المنطقة تجاه الضربة العسكرية الدولية التي ستقودها الولايات المتحدة ضد نظام بشار الأسد، وسيتذكر البعض ضربات كوسوفو، وسيستحضر آخرون العراق وأفغانستان، ولكن بعض المقارنات لها خديعتها كما خديعة النماذج، وسينداح كثيرون في نظريات المؤامرة، والعداء للغرب ولأميركا.

إنما يخشى من المؤامرات ويلجأ إليها الجاهلون، أو الفاشلون في صنعها، أو فهمها، أما الناجحون فهم يحبونها، فالحرب الباردة كان جزء مهم منها يدار بالمؤامرات وقد فرح بها من نجح فيها وخاب فيها من خسر. بالتأكيد إن حراك التاريخ أكبر من المؤامرات، ولكن جزءا مهما منه كان يدار بها.

ما لم يكن هناك اختراق سياسي كبير للأزمة السورية فإن الضربة العسكرية آتية من دون شك، ليس معروفا بعد حجم هذه الضربة وإن كانت تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري والرئيس باراك أوباما ذات اللغة الاعتذارية الضعيفة مساء الجمعة الماضي توحي بمحدوديتها وحصر هدفها في تنبيه الأسد وغيره حول العالم أن استخدام الأسلحة الكيميائية لن يمر من دون عقاب، ولكن ما هو معروف ومحل إجماع هو أن نظام الأسد هو نظام مجرم بكل التعريفات الإنسانية، وهو فعل ما لم يتصور أحد أن يفعله نظام لشعبه في هذا القرن.

يبقى من المهم استحضار أنه مهما كان قرار أوباما في حجم الضربة ونوعيتها، فإنه فيما يبدو سيظل رئيسا ضعيفا حتى في خيار الحرب وتلك مفارقة غريبة.

يبدو أن أوباما يخشى من أي تبعات لهذه الضربة، فهو يريدها سريعة ومحدودة ومحددة، ولا يريد الانجرار لحرب أوسع في المنطقة، وهنا يمكن التساؤل ما هي طبيعة الرسائل التي أرسلت لإيران عبر فيلتمان وغيره؟ هل هي رسائل تطمين أم تهديد؟

أيا كانت طبيعة الضربة وحجمها، فإنه ينبغي أن تجري الاستفادة منها بشكل قوي وحاسم من قبل الجيش الحر على الأرض، وأن يكون التركيز على إخراج الأسد وميليشياته وشبيحته من دمشق العاصمة والاستفادة القصوى من ارتباك قواته تحت زخم الضربة، والطبيعي أن تكون الهجمات منسقة.

إن حجم قوات الأسد في حماية دمشق عال جدا، وحجم الغضب من أهالي دمشق على الأسد ونظامه كبير وعميق، فلو جرى توفير سلاح كاف ونوعي يلي الضربة في أيدي الناس فإنهم سيكملون المهمة.

دوليا، روسيا نأت بنفسها عن الدخول في أي حرب بسبب سوريا حسب تصريحات وزير خارجيتها سيرغي لافروف، والصين تكتفي بالتصريحات حول شرعية الضربة وضرورة موافقة مجلس الأمن ونحوها من الإجراءات التي يبدو أن اللحظة التاريخية قد تجاوزتها، والسيد ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا فشل في إقناع البرلمان بالمشاركة فيها، وهذه أول مرة منذ عقود تفترق فيها بريطانيا عن أميركا في حدث دولي بهذا الحجم، والولايات المتحدة وفرنسا فيما يبدو ستكونان الدولتين الكبريين في هذه الضربة.

سؤال جدير بالطرح والتأمل وهو هل تحمل التهديدات التي أطلقها بشار الأسد ونظامه أي مخاطر حقيقية على دول المنطقة؟ إن المنطق والعقل يقول لا، ولكن الأسد أثبت أنه قادر على ارتكاب الكثير من الحماقات، حتى تلك التي تضر به، واستخدام الكيماوي خير شاهد، وأمر الحروب هو جد الجد وساعة الحزم حيث التأهب لكل احتمال هو سيد الأحكام.

إقليميا، يعيش نظام الأسد في عزلة، ولا يدعمه إلا إيران وأتباعها الصغار كحزب الله، أما الدول التابعة لها كعراق نوري المالكي، فإنها عاجزة عن تقديم أي دعم ذي تأثير في هذه الضربة، فكل جيران سوريا كتركيا والأردن هم في حالة عداء مع نظام الأسد، والسعودية ودول الخليج لم تنِ عن تقديم كافة أنواع الدعم للشعب السوري، وهو ما سيستمر أثناء وبعد الضربة.

تتعالى الأصوات المصابة بفوبيا الغرب والاحتلال التي هي أبعد ما تكون عن وصف هذه الضربة، وترسم للناس خيالات من مخاوف ماض لا علاقة له بالواقع، ولست أدري كيف يمكن أن تسيطر هكذا مخاوف مستجلبة من الماضي على عقول وقلوب بعض الناس ولا يرون الواقع المعيش في سوريا الذي هو أسوأ من أي احتلال وأبشع من كل غزو؟ فضلا عن أنه لا مصلحة لأحد لا أميركا ولا فرنسا في احتلال سوريا في مثل هذه الظروف، وعموما فعصور الاحتلال قد مضت.

يطرح البعض مخاوف من نوع آخر، فبعضهم يرى أن هذه ضربة للإسلام وغزو لديار المسلمين ولا أدري إن كان هؤلاء يرون أن بشار الأسد هو الإسلام؟ أم أن حماية الشعب السوري من بطشه هي غزو لديار المسلمين؟ وآخرون يحذرون من مخاطر تقسيم سوريا، وسيناريو التقسيم يبدو بعيدا جدا، فلا أحد له مصلحة في التعامل مع أكثر من دولة في سوريا، لا جيرانها كتركيا والعراق والأردن، ولا القوى الإقليمية كإسرائيل ومصر ودول الخليج، بل على العكس فمصلحة الجميع هي في سوريا موحدة ومستقرة.

ليست كل المخاوف ملغاة أو بلا قيمة، بل على العكس ثمة مخاوف حقيقية يجب مراعاتها والحذر منها، أول تلك المخاوف هو أن تسيطر روح الطائفية الانتقامية العمياء على شرائح كبيرة من الشعب السوري، ذلك أن اللون الطائفي الفاقع الذي اختاره نظام الأسد ومعه حزب الله اللبناني وفوقهما الجمهورية الإسلامية في إيران سيصبغ مرحلة ما في مستقبل سوريا وسيصل لهيب ناره إلى الضاحية الجنوبية، والرهان هو في القدرة على احتوائه لمصلحة سوريا المستقبل واستقرارها.

ثمة مخاوف كذلك من خطر التنظيمات الإرهابية التي تجد لها موطئ قدم في سوريا اليوم، فهذه التنظيمات كما أثبتت تجارب سابقة قادرة على نشر التخريب والدمار أينما حلت وحيثما انتشرت، ومهمة تحجيمها ومحاصرتها والتقليل من شرها هي مرحلة يجب أن تخوضها سوريا في لحظة ما.

أيضا، ثمة مخاوف من سيطرة الجماعات الأصولية وجماعات الإسلام السياسي كجماعة الإخوان المسلمين على مقاليد الحكم في سوريا، وهو تخوف جرى استباقه من قبل أصدقاء سوريا العرب، حيث جرى التقليل من التضخم السابق لتلك الجماعات في الائتلاف الوطني السوري.