خيارات دول الخليج للتعامل مع دمشق بعد الضربة المحتملة

TT

سواء وقعت الضربة العسكرية التي تستهدف نظام الأسد أم لم تقع، وسواء كانت ضربة محدودة الأهداف والنتائج، أو حربا إقليمية مرشحة لأن تكون واسعة النطاق، فإننا أمام انقسام إقليمي ودولي حاد، وأمام مرحلة جديدة من الصراع في الشرق الأوسط.

دول الخليج العربية ما زالت في موقف داعم لأي جهود من شأنها إنهاء الأزمة السورية، ولكنها في الوقت نفسه حذرة للغاية من تطور الصراع هناك، وتحوله لسيناريو مماثل لما حدث في ليبيا أثناء وبعد حكم القذافي، أيضا هناك مخاوف من تطور الصراع ليكون مشابها لما حدث في العراق.

التوجس الخليجي ليس نابعا من طريقة إنهاء الأزمة السورية بضربة عسكرية يجري التحضير لها الآن، ولكن التوجس نابع من عاملين، الأول رد فعل سوريا وحلفائها، وخاصة طهران، والعامل الآخر تداعيات مرحلة ما بعد سقوط نظام الأسد.

ردود الأفعال السورية إزاء توجيه ضربة عسكرية قد تكون محدودة وفي إطار الدعاية التي شاهدناها في دول عربية كثيرة، وهو ما يزيد فشل النظام في احتواء الصراع أو دفعه لصالحه، وبالتالي توقعات بفشل ذريع. وهنا فإن موقف دول الخليج العربية سيتجه نحو دعم أي جهود دولية لإسقاط النظام بشكل أسرع بعد نجاح التجربة الأولى.

أما إذا كان رد الفعل السوري جادا إزاء الضربة المحتملة، ومن أمثلة ذلك توجيه ضربات للعمق الإسرائيلي، أو التركي، فإن الخيارات ستكون مختلفة، لأنها ستكون بمثابة إعلان حرب إقليمية.

وفي السياق نفسه، فإنه من المستبعد أن تحاول طهران توجيه ضربات عسكرية إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة البحرين، لأن أي محاولة ستكون بداية وذريعة إقليمية ودولية لمواجهة طهران عسكريا، وهو ما يخشاه النظام الإيراني منذ بداية التسعينات وحتى اليوم. وعليه فإنه من المستبعد أن يكون هناك دعم إقليمي لدمشق من طهران لفتح جبهة جديدة. ومع ذلك فإن احتمالات إثارة عدم الاستقرار في دول الخليج العربية واردة من خلال أدوات طهران، وهو سيناريو تكرر كثيرا خلال العقد الأخير على الأقل.

بالنسبة للعامل الثاني الذي يحكم الموقف الخليجي من الأزمة السورية حاليا فهو سيناريوهات ما بعد الأزمة، وهي بلا شك سيناريوهات غير واضحة، ولكن دائما ما تكون تجارب الدول العربية الأخرى حاضرة، فهناك العراق الذي تم «تحريره» بغزو أميركي - بريطاني، وانتهى إلى حال دامية من الإرهاب، فيما تشهد الدول العربية الأخرى صراعات سياسية عنيفة مثل ليبيا وتونس ولا يبدو أنها ستنتهي قريبا.

ولذلك فإن سيناريوهات إنهاء الصراع في الأزمة السورية لن تختلف كثيرا عن التجارب العربية الأخرى. وبالتالي يجب الحد من تأثير حالة الفوضى المرتقبة في دمشق مستقبلا على النطاق الإقليمي، وتحديدا على دول مجلس التعاون الخليجي، خاصة مع تزايد الجماعات المتطرفة في المنطقة الممتدة من جنوب العراق وحتى شمال سوريا بالإضافة إلى شمال لبنان.

إذن ما الخيارات المطروحة لدول مجلس التعاون الخليجي للتعامل مع الأزمة السورية في مرحلة ما بعد الضربة العسكرية المرتقبة؟

هناك خمسة خيارات أساسية تخدم الموقف الخليجي الذي يقوم على إنهاء الصراع السياسي والعسكري في سوريا، ومعظمها خيارات متاحة، وتخدم المصالح الاستراتيجية الخليجية. وهي ليست مرتبطة بفترة زمنية، وإنما يتطلب بعضها إطارا زمنيا للتنفيذ. ويمكن استعراض هذه الخيارات في الآتي:

- الخيار الأول: تمويل حملة عسكرية دولية لإسقاط نظام الأسد، خاصة أن بعض دول الخليج العربية كانت لها تجارب في هذا المجال. وقد يكون التمويل على غرار تمويل الحملة العسكرية لتحرير الكويت التي تمت في إطار حفظ السلم والأمن الدوليين.

- الخيار الثاني: إعادة تقييم قوس التهديدات الإقليمي، ويشمل هذا القوس كلا من طهران، وبغداد، ودمشق، وبيروت، ففي هذه العواصم توجد قوى تمثل تهديدا للأمن الإقليمي الخليجي، وهي تنظيمات عنفية تتبنى فكر ولاية الفقيه، ولديها أجندة مباشرة لضرب واستهداف دول مجلس التعاون الخليجي. وعليه فإن عملية إعادة التقييم تتطلب تحديد هذه التهديدات، وتقييمها من جديد، وتحديد آليات المواجهة.

الخيار الثالث: دعم العزل الداخلي لنظام الأسد من خلال إنشاء مناطق عازلة داخل الأراضي السورية تكون من الشمال التركي أو الجنوب الأردني. وهي فكرة مشابهة لما طرحته أنقرة قبل فترة من إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية حماية لحدودها مع دمشق. والفكرة من هذه المناطق، هي عزل النظام تدريجيا مع إمكانية توسيع هذه المناطق. ولكن مخاطرها تعتمد على تشجيع سيناريو تقسيم سوريا في ظل صعوبة السيطرة على هذا السيناريو.

الخيار الرابع: إطلاق استراتيجية ذكية لمحاصرة الدول الداعمة للنظام السوري من خلال الحد من علاقاتها معها. وهذا الخيار مرتبط بالخيار الثاني، ولكن من الممكن أن يشمل أطرافا دولية داعمة للنظام السوري. والهدف النهائي من هذا الخيار توليد ضغط إقليمي ودولي على كافة الأطراف الداعمة لنظام الأسد بما يؤدي إلى تراجع الدعم الدولي القوي الذي يحظى به النظام الآن.

الخيار الخامس: شن حملة إقليمية لمواجهة الجماعات المتطرفة التي يتزايد نفوذها في الدول العربية في مرحلة ما بعد الربيع العربي. والفكرة من هذا الخيار تتطلب تنسيقا عاليا مع بعض الدول العربية والأجنبية من أجل شن حملة لمواجهة الإرهاب المتصاعد في الشرق الأوسط، والذي ما زالت حكومات الخليج بعيدة عنه. ومن الممكن أن تبدأ هذه الحملة من استهداف الجماعات المتطرفة في عدد من الدول العربية ومن بينها طبعا سوريا. ولكن هذا الخيار يمكن تأجيله إلى مرحلة ما بعد سقوط النظام السوري.

جميع هذه الخيارات لها تداعياتها، وتحديد خيار على آخر يمكن تفضيله وفقا للسيناريوهات المحتملة بعد توجيه ضربة عسكرية ضد النظام السوري. ولا يعني ذلك عدم حاجة دول مجلس التعاون للاستعداد من الآن لمرحلة ما بعد الضربة العسكرية استعدادا لفترة مستقبلية مقبلة بسقوط نظام الأسد.

* رئيس تحرير

صحيفة «الوطن» البحرينية.