سوريا والسلاح الكيماوي

TT

أعادت مجزرة الغوطة الأخيرة، والتي استخدم فيها السلاح الكيماوي ضد مواطنين عزل وأبرياء، إلى الواجهة موضوع السلاح الكيماوي في سوريا وفي المنطقة عامة، ولم تكن تلك العودة من خلال وقوع أعداد كبيرة من الضحايا على أهمية ذلك باعتباره كارثة إنسانية حلت بسوريا، بل أيضا بما جرته تلك الجريمة من تداعيات سياسية وعسكرية على سوريا والمنطقة والعالم. إذ فرضت على العالم أن يتوقف عن ضعف اهتمامه بما يجري في سوريا من عنف يقوم به النظام، وما تسبب في قيامه من عنف مقابل، أو عنف بالوكالة عن النظام، تقوم به جماعات متطرفة، تلبس قناعا دينيا أو قوميا.

كما فرض استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة على الحس الإنساني والأخلاقي، وكذلك على كل من الحس الأمني والسياسي، أن يستيقظ من غفوته، التي طالت واستغل النظام السوري طولها للمضي في أبشع عملية قتل وتدمير وتهجير أصابت بلدا وشعبا في العقود الستة الأخيرة، والتي كانت مجزرة الغوطة واحدة من محطاتها، باعتبارها شكلا من أشكال الإبادة الجماعية.

وانعكست الصحوة الأخيرة في ثلاثة مظاهر أساسية، أولها نهوض للرأي العام تعاطفا مع ضحايا المجزرة من جهة، ودعوات للوقوف في وجه النظام الذي استخدم السلاح الكيماوي، والثاني تحركات سياسية لمعالجة الوضع المتفاقم في سوريا جراء استمرار سياسات النظام وتصعيده لحرب القتل والتدمير والتهجير ضد السوريين، والأمر الثالث الذهاب نحو ضربة عسكرية لمراكز القوة والسيطرة لدى النظام الحاكم، يكون في أهدافها معاقبته، ومنعه من تكرار البهجمات الكيماوية، وإجباره على الذهاب ضعيفا إلى تسوية سياسية في البلاد.

وكما هو واضح في كل مظاهر الصحوة، فإنه لم يتم طرح مستقبل السلاح الكيماوي في سوريا، الأمر الذي قد يعني إمكانية استخدامه مجددا، إذا جاءت ظروف تقارب أو تتماثل مع ظروف استخدامه الحالية من قبل النظام، وربما تجري استخدامه من قبل جماعات متطرفة بهدف تحقيق أهداف وغايات تخصها على نحو ما فعل النظام، وقد استخدم هذا السلاح أكثر من ثلاثين مرة في العامين الأخيرين، سقط بنتيجتها آلاف الضحايا في العديد من المدن والقرى السورية، قبل أن نصل إلى مجزرة الغوطة، وهو أمر مؤكد وفق تحليلات مخبرية، تمت في العديد من الدول بينها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.

ويفرض هذا الوضع في الأول من ضروراته إطلاق موقف سوري قوي وحاسم من السلاح الكيماوي باعتباره هدد ويهدد حياة السوريين ومستقبل بلادهم، وأنه كان كذبة كبرى صنعها النظام، تقوم على فكرة أن السلاح الكيماوي يشكل قوة ردع في وجه احتمالات العدوان الخارجي لا سيما الإسرائيلي على سوريا والسوريين، لكنه في الواقع أصاب السوريين دون غيرهم، وأن المخاوف من استخدامه ستظل ماثلة في حال توافرت قوة حاكمة تشبه السلطة الحالية وبيئة مناسبة، تقارب البيئة الإقليمية والدولية، التي سادت منذ انطلاق الثورة وحتى مجزرة الغوطة.

كما أنه لا بد أن يستند الموقف السوري ضد السلاح الكيماوي إلى المعطيات الدولية القانونية والسياسية، التي ترى فيه سلاح تدمير شامل، يقع في دائرة المحرمات، التي لا يجوز الذهاب إلى استخدامها، وهذا يفتح باب الربط ما بين السلاح الكيماوي وأسلحة الدمار الشامل الأخرى ومنها الأسلحة النووية، التي لا بد أن يكون للسوريين موقف معارض لها خاصة لجهة وجودها لدى إسرائيل، التي تحتل أرضا سورية، وقد شردت معظم سكانها، وجعلت بعضهم تحت الاحتلال، وسعت إلى فرض الجنسية الإسرائيلية عليهم، ولا بد أن يعارض السوريون المشاريع النووية العسكرية في المنطقة على نحو ما هو عليه حال المشروع الإيراني، خاصة في ضوء تدخل إيران في الشؤون السورية ولعبها دور الداعم الرئيس السياسي والعسكري والاقتصادي للنظام السوري في معركته ضد الشعب خاصة من خلال إرسالها الخبراء والجنود والأسلحة والذخائر، ودفعها أنصارها من حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية للقتال إلى جانب النظام في سوريا.

إن الجوهري في موقف السوريين في مواجهة السلاح الكيماوي وكل أسلحة الدمار الشامل ينبغي أن يقوم على منع تصنيعها وحظر تداولها، ومنع استعمالها، ثم معاقبة كل من يأمر باستعمالها، أو يكون في عداد منفذي الهجمات، بل من الضروري أن يذهب الموقف السوري إلى المساعدة في حملة دولية قوية وفعالة خاصة من موقعهم كضحايا من أجل حظر أسلحة الدمار الشامل وضمنها السلاح الكيماوي.