هذه البجعة عميلة وجاسوسة

TT

قبل أيام قرأت خبرا معبرا جرى في أرض مصر. حول القبض على طائر جاسوس!

في التفاصيل، كما في جريدة «الخليج» الإماراتية أن علي السيد (مدرس عمره 32 عاما) شاهد طيورا مهاجرة مجهدة، بالقرب من بيته في قرية المراشدة التابعة لمركز الوقف بمحافظة قنا، لفت انتباهه أن أحد هذه الطيور كان يحمل على ظهره جهازا غريبا، ما أثار مخاوفه أن يكون جهاز تجسس لجهة أجنبية. توجه إلى قسم الشرطة وبحوزته الطائر، ليحال الأمر إلى إحدى الجهات السيادية (جهاز مخابرات!) للتحقيق، ليؤكد مصدر عسكري أن الطائر كان موجودا بإحدى المحميات الطبيعية، وأن الجهاز الذي يحمله على ظهره جهاز رصد علمي. وذكر رئيس هيئة الطب البيطري بالمحافظة أن خبراء فحصوا جهاز البجعة «المسكينة» وقالوا إنه جهاز علمي لتتبع هجرة الطيور.

تذكر الصحيفة في خلفيات الخبر أنه سبق أن أثارت حمامة قبل نحو عامين موجة من الذعر سرعان ما تحولت إلى سخرية في الإنترنت، عندما عثر أحد المصريين عليها في إحدى قرى الدلتا وفي إحدى ساقيها ما يشبه الجراب الصغير فأبلغ الشرطة، تحسبا لأن تكون الرسالة تحمل معلومات أمنية، وتبين أنها حمامة تخص مزرعة تربية حمام في الدلتا، والجراب هو علامة المزرعة.

ذكرني هذا بطائر آخر، لكن في السعودية، وتحديدا في منطقة حائل، شمال وسط السعودية، حيث عثر مواطن، قبل نحو عامين على نسر أصلع بالقرب من منزله، لاحظ وجود حلقة معدنية عليه، أشيع حينها أنها تحمل علامات إسرائيلية، وضجت مواقع الإنترنت بهذا الصيد السياسي والأمني الخطير. ليخرج بعدها الأمين العام للهيئة الوطنية للحياة الفطرية في السعودية مؤكدا أن المعلومات الصحافية المتواترة حول طير اصطيد من مواطن في منطقة حائل، وأنه مدجج بأجهزة تجسس من إسرائيل ربطت حول إحدى رجليه غير صحيحة، مضيفا أن الدراسات أثبتت أنه من نوع النسر الأصلع، وأن الجهاز الموضوع على رجليه يستخدم للتتبع عبر الأقمار الصناعية، من أجل معرفة هجرة الطيور، وطريقة تغذيتها، إضافة إلى عمل بحوث علمية عليها.

سبب هذا الجنوح نحو التفسير التآمري لكل شيء عادي هو - ضمن أسباب أخرى - هيمنة الذعر النفسي، والشعور بوجود مؤامرة دولية كونية غامضة وشاملة، تريد تخريب الحياة علينا، فضلا عن بحث بعض الأشخاص والأفراد عن لفت الأنظار والإثارة، ليلهث خلفهم عشاق الإثارة والغرائب في الإعلام.

نشر الإشاعة وغرائب الأخبار صار ميسورا وسهلا مع توفر منصة بث لدى كل شخص تقريبا في هاتفه، أما تصحيح الوهم وتبديد الجهل فأمر عسير ومحدود الانتشار.

يعني.. ونحن نقرأ هذا المقال، هناك من لا يزال يرى في بجعة قنا ونسر حائل، عميلي تجسس لإسرائيل!

قال المتنبي قديما:

وضاقت الأرض حتى كان هاربهم - إذا رأى غير شيء ظنه رجلا