مدن الصيف: العشاء مع يارينغ والغداء مع غالب

TT

ذهبت إلى موسكو من أجل قمة بريجنيف - نيكسون وغنمت لقاء مع أول مبعوث أممي إلى الشرق الأوسط بعد 1967: سفير السويد في موسكو غونار يارينغ. كان الصيت أن يارينغ صم بكم يرفض الكلام. فوجئت بوجوده خلال العشاء الذي أقامه السفير نعيم أميوني. وإذ بالسفير ينادي على صديقه من بعيد: غونار، تعال أعرفك على صحافي من بلدي. قلت للسفير يارينغ: أعرف أنك لا تحب الكلام وأنا لن أطرح الأسئلة. قال ضاحكا: «ما هذه الإشاعات المغرضة؟ لست فقط أحب الكلام، بل الثرثرة. هات، أعطني الفرصة لأتكلم».

كان ودودا وصريحا. لم يكمل السهرة فسألني وهو يغادر إن كان في الإمكان إيصال السيدة يارينغ إلى المنزل في طريقي إلى الفندق. قلت له ستكون هذه قصة صحافية تروى: زوجة المبعوث الدولي في عهدة الصحافة اللبنانية. تلك كانت حياة الأسرة الدبلوماسية في موسكو المغلقة. السفراء عند بعضهم البعض، ولا يحق لأي دبلوماسي الابتعاد أكثر من 40 كيلومترا عن حدود العاصمة. لذلك عندما دعاني السفير أميوني إلى الغداء يوم الأحد، قال: «سنذهب إلى آخر مطعم في ريف المدينة».

كنت قد التقيت سفير مصر ووزير خارجيتها الأسبق مراد غالب، عنده على العشاء. والآن هو ضيفه على الغداء في الريف. بكل دبلوماسية الدبلوماسيين المصريين. ولم تكن العلاقة السوفياتية - المصرية قد تعرضت لهزة السادات بعد. كان الدكتور غالب جادا وصريحا: القاهرة تراهن على موسكو في أي حرب تحرير. لم أشكر السفير أميوني على الغداء والعشاء، بل لما قدم للصحافي من الأسماء اللاعبة في فناء الشرق الأوسط.

لم أرَ الكثير من المدينة. كان كل شيء يدور في مدار القمة. بريجنيف عاقد الحاجبين الكثيفين، ونيكسون منكسر الخاطر مثل أميركا في فيتنام. مواجهات وجبهات كثيرة حول العالم، لكن المسألة الحقيقية في منطقة واحدة تسمى الشرق الأوسط. وأول ما سيقوله رونالد ريغان وهو يدخل البيت الأبيض: لن نسمح لأحد بالسيطرة على الشرق الأوسط.

كان هناك دائما فريق في الكرملين يدرس شخصيات أميركا. أمام بريجنيف الآن تقرير يقول، إن ضيفه رجل ضعيف. ريفي وصولي لم يصدق بعد أنه ترك بقالة والده في ويتيكر وأصبح رئيس كل الولايات الأميركية. يحب المال ويقبل الكثير منه، بينما يترك القليل لشقيقيه اللذين لم يغادرا ويتيكر. بقيا هناك لتلقي الهدايا ممن يريد من الرئيس شيئا.

كان نيكسون محاطا بوزير خارجية لا خصائل له. نصفه القادم من هارفارد. وإلى جانب بريجنيف كان الرفيق أندريه غروميكو، المستر Nyet. السيد لا. ثم لا. كان غروميكو كعالم اقتصاد، يدرك الفارق الرهيب بين حال أميركا وحال اتحاده. ويعرف أن سلاحه الأقوى هو الرفض. قبل بدء المحادثات أو بعدها. والكرملين كان يعتمد، باحترام، على خبرته ورؤيته. إنه الرجل الوحيد الذي يتجاوز رأيه وزير الدفاع ورئيس الـكي جي بي وحتى رأي ابنة بريجنيف، التي كانت لها هواية مكلفة قليلا: عقود الماس. الأب كان يحب سيارات «فيراري».

إلى اللقاء.