بإمكان إيران وتركيا المساهمة في حل الأزمة السورية

TT

من كان يتخيل قبل ثلاث سنوات من الآن، عندما كان الأسد في أوج قوته، أن الأوضاع في سوريا ستصل إلى ما آلت إليه اليوم؟ من كان يتخيل تدمير البلاد ومقتل 100 ألف شخص وهجرة مليوني سوري للعيش في معسكرات للاجئين في بلدان أخرى؟ من كان يمكنه أن يتنبأ بمجيء اليوم الذي تدور فيه مناقشات حول الدول المشاركة في قصف سوريا وأن هذا الأمر سيجري التصديق عليه في مجالس نواب تلك الدول؟

وبينما نشاهد إصرار الولايات المتحدة على التدخل في سوريا وتقارير مفتشي الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، فإننا نرصد أيضا سلوك البلدان الثلاثة الداعمة للنظام السوري، وهي روسيا والصين وإيران، فعلى الرغم من أن روسيا التي استخدمت حق النقض في مجلس الأمن لمنع صدور قرار بالهجوم على سوريا، تنتقد فكرة التدخل في الشأن السوري في كل مناسبة، فإنها أعلنت أنها لن تنحاز لأي طرف في حال أي تدخل محتمل. ومع ذلك، سرعان ما أرسلت روسيا سفنا حربية لشرق البحر الأبيض المتوسط. أما الصين، التي استخدمت هي الأخرى حق النقض ضد قرار الأمم المتحدة، فتظل صامتة وتابعة للموقف الروسي، ولكن ماذا عن إيران؟

أرسلت إيران اقتراحا مثيرا للاهتمام لتركيا قبل أيام عن طريق السفير الإيراني في أنقرة علي رضا بيغدلي، في رسالة تقول: «دعونا نوقف الغربيين عندما يتعلق الأمر بسوريا ونقوم نحن بشيء!».

ومن المعروف أن تركيا لديها اتصالات منذ وقت بعيد بإيران في ما يتعلق بالوضع في سوريا ومصر، غير أن هذا الاقتراح بالوحدة هو الأكثر غرابة، ولا سيما في ظل الخلافات الحادة بين البلدين بشأن ما يحدث في سوريا. وأكد بيغدلي أن استخدام الأسلحة الكيماوية جريمة ضد الإنسانية، بغض النظر عن الجهة التي قامت بذلك. ويعطي هذا انطباعا بأن إيران بدأت تتراجع خطوة في دعمها للأسد، وهو ما يتضح أيضا من الاقتراح بالوحدة مع تركيا. وكان بيغدلي يقول في الأساس: «يتعين علينا نحن المسلمين إصلاح الخلل في العالم الإسلامي، وليس الغرب».

في الواقع، كان السفير الإيراني محقا في ذلك، حيث باتت عادة لدينا أن نلقي باللوم على الغرب في القضايا المثارة في العالم الإسلامي وفي منطقة الشرق الأوسط، ثم ننتظر أن يأتي الحل من الغرب أيضا. وهذا أمر غير عادل من ناحيتين؛ أولا، صحيح أن بعض الغربيين يستفيدون من المشكلات المثارة في الشرق الأوسط، ولكن عندما يقتل الشقيق شقيقه ويقتل المسلم مسلما آخر فإن ذلك هو خطأ المسلمين وحدهم. الصراعات الطائفية والصراعات بين السنة والشيعة هي عادة غير حميدة بين المسلمين، وليس الغربيين. ثانيا، من الغريب أن نلوم الغرب على تلك المشكلات وأن ننتظر منه الحل! ويمكن أن يقوم المسلمون المعتدلون بالكثير والكثير إذا ما اتحدوا وعملوا معا.

إن اتجاه الأنظار صوب الولايات المتحدة قد دفعها للتحرك لوضع حل لما يحدث في سوريا، وأرى أنه من المناسب أن تتحرك الولايات المتحدة في ظل صمت باقي الدول. دائما ما أدعم وجود الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط كمعلم للديمقراطية، ولكن التدخل الأميركي في سوريا سوف يحدث بنفس الطريقة التي كانت تتبعها واشنطن في الماضي. صحيح أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قال: «لن نتدخل بريا»، ولكن هذا سيؤدي حتما إلى إراقة مزيد من الدماء. وعلاوة على ذلك، دائما ما يؤدي التدخل الأميركي في العالم الإسلامي إلى إثارة الكراهية ضد الولايات المتحدة من جانب بعض الفئات، كما أن هذه الكراهية تثير حتما الخوف من الإسلام في الغرب فيما يعرف بـ«الإسلاموفوبيا»، وهي نفس الدائرة المفرغة التي نسير فيها منذ 20 عاما.

إن التدخل الدموي من شأنه أن يثير مشاعر الانتقام. صحيح أن هذا التدخل قد يؤدي إلى سقوط نظام الأسد، ولكن سيظل المتشددون هناك وسيبحثون عن الانتقام لآلاف الأشخاص الذين فقدوهم، وهو ما سيؤدي إلى مزيد من عمليات القتل بالشكل الذي نراه في العراق كل أسبوع.

لقد تمت إراقة ما يكفي من الدماء في سوريا، ويجب أن ندرك أنه لا يوجد تدخل من دون إراقة مزيد من الدماء. ولو كانت إيران صادقة في دعوتها للوحدة، فإن البلدان الإسلامية يمكنها القيام بذلك.

لو كانت إيران صادقة في دعوتها، يتعين عليها أن ترسل لواء من القوات إلى الحدود السورية، ونفس الأمر يجب أن يحدث مع تركيا ومع باقي بلدان الشرق الأوسط. ويجب أن تقوم مصر بالشيء نفسه، على الرغم من الاضطرابات التي تعاني منها الآن، ولكن وجود مصر مهم للغاية.

هل تعتقد أن الأسد أو الجماعات المتطرفة يمكنهم الوقوف أمام هذا الجيش القوي الذي يمثل البلدان الإسلامية متحدة؟ هل يتمكن الأسد، الذي فقد نصف قواته ودباباته ولا يملك سوى ست قواعد جوية من الـ27 قاعدة التي كانت لديه، هل يتمكن من الصمود؟ سيؤدي هذا الجيش إلى الإطاحة بالأسد فورا وإلى انسحاب المتطرفين بعدما يدركون أن سوريا لم تعد أرضا للقتال لأي شخص يسعى لتجربة إطلاق الصواريخ.

من شأن هذه العملية التي لا يشارك فيها الغرب بصورة مباشرة، والتي تتضمن إيران وتركيا، ألا تسبب مشكلات بالنسبة لروسيا، التي لن تعارض تغيير النظام السوري، الذي يعد حليفا لها منذ 50 عاما، طالما أنه لم يسقط على أيدي الغرب أو المتشددين.

وثمة أهمية قصوى لموضوع اللاجئين، حيث يتعين على البلدان المجاورة أن تستضيف السوريين، أما البلدان التي لا تملك أدوات ذلك، مثل العراق، فيجب أن تحصل على دعم من صندوق مشترك يجري إنشاؤه عن طريق البلدان الإسلامية والغربية.

وإذا ما كانت إيران التي عزلت نفسها عن العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط، ترغب في تحسين صورتها والوصول إلى حل حقيقي، فإن هذه هي الفرصة الذهبية بالنسبة لها، وهذا هو الحل الأمثل والأكثر عقلانية والأقل دموية. والسؤال الوحيد الذي يطرح نفسه الآن هو: هل إيران مستعدة للدخول في هذا التحالف الجيد؟ لو كان لديها استعداد لذلك، فنحن قادرون على الظفر ببلدين مرة واحدة: سوريا وإيران.