مدن الصيف الكاتبة كانت كاتبا.. كانت زوجة صارت زوجا

TT

في أسى من يعرف سلفا كم سوف يحنّ إلى ما يودِّع، لا بد من الخاتمة. الصيف بدأ يطوي نفسه، أسوة بكل الفصول كل السنين. كنت أفضل أن أظل سارحا في الذكريات، سامرا في المدن. لكن للكتابة أصولها وللمواضيع مواعيد. دعوني أختم بكلمات عابرة، كأيام الصيف، عن أبرع ثلاثة كتَّاب سفر، عرفتهم – من النصوص – خلال العقود الخمسة الماضية.

الأول أو الأولى (سوف أشرح) جون موريس، أرجو أن تصدقوا التفاصيل، بدأت حياتها صحافيا يدعى جيمس همفري موريس، كان ضابطا في الجيش البريطاني، عاش في مصر وفلسطين. اختار فيما بعد الصحافة وكان أول عمل قام به تغطية الوصول إلى قمة إيفرست، تسلق منها 22 ألف قدم. أي من إيفرست. رزق من زوجته 5 أولاد وبعدها تحول إلى امرأة أطلقت على نفسها اسم جون. لكن الزوج الذي صار زوجة للزوجة أصر على أن تبقى زوجته. لم يسمح لهما القانون بذلك إلا منذ سنوات.

وضعت موريس نحو 50 عملا في السفر والتاريخ. لا أدري ما هو سر البريطانيين في كتابة الرحلات. أو البريطانيات. وكما كانت موريس ابنة الإمبراطورية ونتاجها، هكذا هو، على نحو ما، في. إس. نيبول، الهندي الكاريبي. إنه في الدرجة الثانية بين أولين. الأول الآخر هو البولندي رزيارد كابوشنسكي، كيميائي السياسة والريبورتاج والأدب والصحافة. ما تركه لنا عن أفريقيا وأميركا اللاتينية تحول إلى نوع جديد في الأدب السياسي، لم يستطع أحد تقليده.

لست أعرف أحدا آخر في هذه المستويات. أو بالأحرى أجهل ذلك. والعرب المحدثون لم يطرقوا هذا الباب. ليس في مكتباتنا، كما في مكتبات العالم، جناح خاص «لأدب الرحلات» أو الاستطلاع. لا ياقوت ولا قزويني ولا ابن بطوطة ولا ابن فضلان ولا أسفار في المسالك والممالك. تولى الراحل يوسف الشيراوي العناية برحلات مواطنه أحمد بن ماجد، وأذهله في المتنبي خريطة السفر مثل خريطة بحور الشعر، فوضع «أطلس» المتنبي الذي ظل من دون اهتمام كاف.

رحلات أمين الريحاني في الجزيرة العربية أوائل القرن الماضي بقيت من دون اكتمال. وكذلك رحلته «في قلب لبنان». وعندما وضعت «قافلة الحبر» عن أوائل الرحالة الأجانب إلى الجزيرة العربية كان في نيتي أن أوسع السلسلة إلى أكبر مدى ممكن. ثم اكتشفت ما اكتشفه غيري من قبل: الكتاب العربي مثل أبطال دوستويفسكي: «مذلون مهانون». ليس دائما. الرواية العربية الناجحة لها انتشار ناجح: علاء الأسواني، أحلام مستغانمي، حنان الشيخ، والمفاجأة الأخيرة: الكويتي خالد السنعوسي في «قصب البامبو».

هناك أسماء كثيرة أخرى من السعودية واليمن. وهناك أسماء من سوريا طمرتها السياسة والعتو. واختص العراقيون بالإبداع في الرسم، سواء كان الطغيان منتخبا بنسبة 100% أو يعلق على صدره شارة «دولة القانون». هكذا يفعل المارشال في أفلام الكاوبوي.

صيف جميل وفصول طيبة في كل حال.