الثورات العربية تطرح تساؤلات

TT

لقد وجهت انتقادات لباراك أوباما بسبب رد فعله المشوب بالحذر إزاء الثورات العربية. وصفه ناقد يكتب في صحيفة «واشنطن بوست» بأنه «رئيس في حالة انفصال تام». ويحث كثيرون الرئيس أوباما على القيام بمراهنة كبرى تأييدا للديمقراطية في المنطقة. عندما بدأت الثورات المعروفة باسم «الربيع العربي» لأول مرة، حدا بعض المحللين التفاؤل بشأن احتمالات إرساء الديمقراطية، غير أنه ينبغي النظر للديمقراطية من حيث العقود، لا المواسم. كان بعض المراقبين في باريس في عام 1789 قد توقعوا بأن عريفا من كورسيكا سيقود القوات الفرنسية إلى ضفاف نهر النيل خلال عقد. إن أشكال التدخل في الثورة الفرنسية من جانب قوى عظمى مثل النمسا وروسيا أشعلت، بدلا من أن تخمد، لهيب المشاعر القومية.

ينبغي أن يكون أمام المراهنات الكبرى في السياسة الخارجية على الأقل فرصة معقولة للنجاح. لقد كشف بحثي في التاريخ الأميركي في القرن العشرين عن أن رؤساء السياسة الخارجية التحولية الذين قاموا بمراهنات كبرى لم يكونوا أفضل في الأخلاقيات أو الكفاءة.

قام وودرو ويلسون بمراهنة مكلفة وخاطئة على معاهدة فرساي التي ساهمت في سياسة عدم الانحياز المدمرة في ثلاثينات القرن العشرين. قام جون كيندي وليندون جونسون بمراهنات خاطئة عدتها فيتنام لعبة دومينو، وليس لعبة داما، فيما رفض دوايت أيزنهاور، الذي ابتكر مصطلح الدومينو، التدخل. وقام ريتشارد نيكسون، الذي راهن بنجاح على الانفتاح على الصين في عام 1971، بمراهنة متزامنة ولكن خاطئة على تدمير نظام «بريتون وودز» النقدي والتي ساهمت في الكشف عن عقد من التضخم. ومؤخرا، قام جورج بوش بمراهنة استراتيجية مكلفة عن طريق غزو العراق، وذلك جزئيا أملا في إضفاء صبغة ديمقراطية على الشرق الأوسط.

من المفيد مقارنة ويلسون بجورج بوش الابن. وعلى المدى الطويل، كانت رؤية ويلسون لعصبة أمم مدعومة جزئيا من الأمم المتحدة، لكنه افتقر لمهارات القيادة اللازمة لتنفيذها. ويشتهر بوش بقوله إنه لا يفعل «شيئا اسمه الرؤية»، لكن تنفيذه الحصيف وإدارته لسياسة خارجية في توقيت سري كان ممتازا.

ليس هذا رأيا مضادا للقادة التحوليين أو المراهنات الكبرى في السياسة الخارجية الأميركية. لقد ساهم فرانكلين روزفلت وهاري ترومان بشكل حاسم في خلق العصر الأميركي بإرسال قوات أميركية إلى أوروبا وإبقائها هناك بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. وفي حالة ما إذا كان مرشحون أمثال تشارلز ليندبرغ أو هنري واليس رؤساء، لأصبح العالم أسوأ.

لكن من خلال تقييم القادة عبر التاريخ، نحتاج لتوجيه الاهتمام إلى كل ما هو إيجابي وما هو سلبي.

تكمن المشكلة الكبرى في السياسة الخارجية في تعقيد السياق. يتعين على الشخص ألا يفهم فقط الأنظمة الدولية ومتعددة الجنسيات، بل أيضا تعقيدات السياسات المحلية في مجتمعات كثيرة. إن هذا التعقيد يمنح ارتباطا خاصا بفضيلة الحكمة - على نحو يجنبنا الزيادة أو النقصان. إننا نعيش في عالم من الثقافات المتعددة ولا نملك كثيرا من المعلومات عن الهندسة الاجتماعية وكيفية «بناء الأمم»، وينطبق ذلك على وجه الخصوص على الثورات.

حينما لا يمكننا التيقن من كيفية تحسين العالم، يصبح الحذر فضيلة مهمة، وقد تشكل الرؤى العظيمة خطرا جسيما. أحيانا ما ينسي هذا هؤلاء الذين يرغبون في أن يقوم أوباما بمراهنات أكبر في ثورات الشرق الأوسط اليوم.

إن تجربة تحريك الأحداث على الأطراف وتأكيد قيمنا على المدى الطويل أمر؛ واعتقادنا أن بإمكاننا تشكيل الثورات التي لا نفهمها بشكل كامل أمر مختلف تماما. ثمة اختلاف بين فرض عقوبة محدودة على سوريا بسبب انتهاكها أحد المحظورات الدولية باستخدام أسلحة كيماوية والمشاركة في حرب أهلية. وفي السياسة الخارجية، كما في الطب، من المهم أولا عدم إلحاق أي ضرر. تبين أن بوش الأب، الرئيس الحادي والأربعين للولايات المتحدة، الذي افتقر للقدرة على صياغة رؤية، كان قادرا على اجتياز الأزمات، فهو قائد أفضل من ابنه، الذي كانت لديه رؤية قوية، ولكن لم تتوفر له سوى قليل من المعلومات السياقية عن المنطقة التي حاول أن يعيد تشكيلها.

وفي محاولة شرح دور وزير الخارجية، قارن جورج شولتز ذلك بالتشجير: «التغذية المستمرة لمجموعة معقدة من الفنانين والمصالح والأهداف». طالبت إحدى خلفائه، كوندليزا رايس، بـ«ديمقراطية تحولية». هناك دور لكل منهما، اعتمادا على السياق، لكن علينا تجنب الخطأ الشائع الممثل في الاحتفاء بمهندس المشهد التحولي. وفي رد فعل لما يمكن أن يتحول لعقد من الثورات العربية، يعد القائد الأفضل بمثابة بستاني يقظ.

* أستاذ بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب «القيادة الرئاسية وخلق العصر الأميركي»

*خدمة «واشنطن بوست»