كيف يفكر بوتين؟

TT

بقدر ما يثير موقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغرابة ويصل إلى حد الاستهجان فيما يتعلق بخصوص دعمه المتواصل ودفاعه المستميت والمخلص عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بقدر ما المفروض أن نفهم كيف يفكر الرجل، ولماذا يتبنى المواقف التي يتخذها ولأي سبب يفعل كل ذلك؟ من المهم تذكر خلفية الرجل بوصفه عنصرا استخباراتيا بامتياز في منظومة الـ«كي جي بي» المعروفة بقوتها، وتحديدا خلال حقبة الاتحاد السوفياتي المهمة والتي حدثت لها هزة هائلة وصدمة بالغة الأهمية في خسارتها المذلة وانسحابها من أفغانستان على أيدي أميركا و«المجاهدين»؛ فمنذ هذه الحادثة وفلاديمير بوتين لديه كره وغضب هائل ضد الأصولية والتطرف الإسلامي، وخصوصا حينما يرى هذا التطرف يتوغل داخل مناطق قريبة من روسيا مثل الشيشان وداغستان وضرب في بعض الحالات قلب موسكو نفسها، وزاد إحساسه بوجوب التصدي لهذا «الخطر» بشتى الوسائل.

وبوتين على صعيد آخر، شعر أنه تعرض إلى خديعة مقننة وممنهجة خلال ما حدث في الأزمة الليبية عندما جرى «إقناعه» بأن قرار الأمم المتحدة المزمع إصداره سيكون لأجل إقرار تدخل أممي لحماية اللاجئين المدنيين الليبيين من بطش النظام ليشاهد بوتين بعد ذلك تحول كامل القرار ليصبح غايته تدمير آليات القذافي حتى الخلاص منه شخصيا، إذ جرت تصفيته على أيدي وحدة من القوات الفرنسية الخاصة كما اتضح ذلك لاحقا من قبل تسريبات مهمة ذات مصداقية. وخسر بوتين وروسيا موقعا مهما للسلاح الروسي في ليبيا كما خسر اليمن والعراق والجزائر ومصر لظروف وأسباب مختلفة، ولذلك حين التقت الأسباب ذاتها في الثورة السورية رأي بوتين بدفاعه عن نظام بشار الأسد أنه سيحقق أكثر من غاية ويضرب أكثر من عصفور بالحجر ذاته؛ فهو بتأييده للأسد وتزويده بالخبرة والمعلومة الاستخباراتية والعتاد والسلاح النوعي المتقدم سيمكنه من إحداث ضربات هائلة بحق «الجماعات المتطرفة الإرهابية» بحسب وصف بوتين وبحسب وصف الأسد لثوار سوريا، وأيضا سيتمكن بوتين من توجيه صفعة استراتيجية هائلة ضد الغرب و«يحبط» من «خططه» لإجلائه من آخر موضع قدم له بمنطقة الشرق الأوسط العربي والبحر المتوسط، وهو الذي يوجد لديه قاعدة عسكرية في ميناء طرطوس السوري.

ولكن بوتين رجل يبحث عن «ثمن» لأجل الخروج من موقف دعم الأسد بأقل الخسائر الممكنة وتحقيق أفضل العوائد، فهو يبحث عن تأمين موضع قدم «أبدي» في أوروبا كالمورد الوحيد والأول لها للغاز، وهذا قد يفسر تفاصيل الصفقة الغامضة التي حصلت مؤخرا حينما باعت شركة «نوبل» للغاز صاحبة حق التنقيب عن الغاز في بحر قبرص، والتي جرى اكتشاف كم مهول فيها من الغاز ووصفت قبرص بأنها سوف تكون «قطر أوروبا». وشركة «نوبل» هي شركة أميركية إسرائيلية أسهمها تباع في بورصة نيويورك ولكنها باعت 30% من حصتها لصالح شركة روسية كبرى. وكذلك كان خبر التأجيل المفتوح لتسليم طائرات الـ«ميغ 29» الروسية للنظام السوري.. كل ذلك وغيره يبدو أنه يوضح لنا أنه قد يكون هناك تفاصيل مهمة يجري «تربيطها» لأجل إتمام الصفقة النهائية للخلاص من نظام الأسد.

روسيا وبوتين لن يعاديا العالم وأوروبا وأميركا لأجل عيون بشار الأسد أبدا، ولكنهما يبحثان عن الثمن والمقابل المناسب جدا لقبول الخلاص منه، وهذا ما ستكشف لنا عنه الأيام قريبا جدا!