سوريا والتعاون بين الحزبين

TT

منذ بزوغ فجر الجمهورية، علم رجال الدولة الأميركيون أن بلادهم لا تستطيع البقاء في معزل عن سياسة العالم، وأن موقع الولايات المتحدة في العالم يتوقف على ترويض الفصائل والانتماءات الحزبية التي لحقت بالسياسة الداخلية.

في المقال الحادي عشر في «فيدراليست»، دفع ألكسندر هاميلتون بأن التصديق على الدستور سيكون جبهة أميركية في مواجهة «الطموحات المتغطرسة» لأوروبا الإمبريالية.

كتب هاميلتون: «من شأننا أن ندافع عن العنصر البشري وأن نعلم هذا الأخ المفترض (أوروبا) الاعتدال. وسيسمح لنا الاتحاد بفعل ذلك، بينما ستضيف الفرقة ضحية أخرى إلى قائمة انتصاراتها».

بعد 160 عاما من مقال هاميلتون، صرح السيناتور الجمهوري من ولاية ميشيغان آرثر فاندنبرغ بأن السياسة الحزبية تتوقف عند «حافة المحيط»، وحشد تأييد الحزب الجمهوري خلف معاهدات ومؤسسات أسسها الرئيس الديمقراطي هاري ترومان من أجل ضمان السلام والحرية بعد الحرب العالمية الثانية.

السؤال المطروح اليوم أمام الكونغرس يبدو ضيقا: هل نعطي الرئيس أوباما الضوء الأخضر لاستخدام القوة العسكرية ضد نظام الأسد لتعزيز المبدأ الدولي المعارض لاستخدام الأسلحة الكيماوية؟ ولكن وفقا للإطار التاريخي، تظهر القضية مصيرية ليتحول السؤال إلى: كم تبقى من رصيد الوحدة الوطنية الذي تعتمد عليه الولايات المتحدة مرة بعد أخرى لدعم دورها العالمي؟

بعد أن رفضت الأمم المتحدة والبرلمان البريطاني واستطلاعات الرأي العام مساندته، تحول أوباما إلى الكونغرس الذي يعاني من استقطاب حزبي أكثر من أي وقت مضى في التاريخ الحديث، وذلك وفقا لتحليل نشره أخيرا مركز «بيو» للأبحاث.

في الشؤون الخارجية، انتهى المبدأ المنظم لاحتواء الحرب الباردة، وبدلا منه تسبب صراع طويل غير حاسم ضد الإرهاب وانعدام الاستقرار في الشرق الأوسط في حالة من القلق والانقسامات بين الحزبين.

ليت الكونغرس منقسم إلى حزبين محددين فقط! ولكنه منقسم إلى حمائم الديمقراطيين، والمحافظين الجدد الجمهوريين، والتحرريين الجمهوريين، والديمقراطيين من أنصار التدخل الإنساني. وكان من السذاجة أن ألقى أوباما بكرة سوريا الملتهبة ليزيد اشتعال الجدل الدائر، حيث أسهم في تفاقم الأزمة الحالية بوضع خط أحمر يتمثل في استخدام الأسلحة الكيماوية التي كان بشار الأسد يتجه نحو استخدامها، بل ويؤكد على تفويض دستوري أحادي الجانب للقيام بالضربة.

منذ عدة أيام، حذر أوباما، فيما يشبه موقف السيناتور الجمهوري راند بول المعارض للتدخل، من «القفز إلى أمور لا تحمل عواقب جيدة، وتجعلنا نقع في مواقف شديدة الصعوبة، ويمكنها أن تسفر عن جرنا إلى تدخلات باهظة الثمن وصعبة ومكلفة تجلب علينا مزيدا من الاستياء في المنطقة».

وبعد تشويه صورة الجمهوريين في مجلس النواب الذين شوهوا صورته، وبعد أن صرح بعدم حاجته إلى انتظار الكونغرس بشأن الكثير من قضايا السياسة الداخلية، يستدعي أوباما إجراءات دستورية ويطلب مساعدة الحزبين.

السؤال المثير للاهتمام هو: هل سيطلب الكونغرس مقابل التعاون الذي يمكن سداده من تنازلات البيت الأبيض في مسائل الهجرة والميزانية التي يزدحم بها جدول أعمال الكونغرس في الخريف والتي يناور حولها كل من الحزب الجمهوري وأوباما من أجل المنفعة السياسية؟

لأجل ذلك كله يجب أن يفكر الكونغرس جيدا قبل أن يحرم أوباما من التفويض الذي يسعى إليه. سيكون هذا صحيحا حتى لو كان الجمهوريون يتخذون موقفا أخلاقيا في ما يتعلق بالاستقطاب السياسي، ولكنهم لن يفعلوا. سيكون صحيحا حتى لو لم يجد الأميركيون مبررا للقلق من الحرب - وهم قلقون. سيكون ذلك صحيحا حتى إذا لم يبد أن أوباما يحمل بوقا مترددا.

يجد هؤلاء الجمهوريون والديمقراطيون، تحفيزا على التصويت من دون الحاجة إلى التفكير في السابقة التي سيقدمون عليها والإشارة التي سيبعثون بها ليس فقط إلى سوريا أو إيران أو كوريا الشمالية، بل إلى الحلفاء من الأردن وحتى اليابان.

يجب أن يعترفوا بالحقيقة التي بدا أن أوباما ينكرها في بعض الأحيان، ولكن يذعن لها ضمنيا نداؤه المتردد باتخاذ إجراء في سوريا.

إذا كان قيامنا بمسؤولياتنا الدولية مكلفا، فسيكون التخلي عنها على المدى البعيد أكثر تكلفة وسط هذا التشتت السياسي الداخلي، لهذا السبب تحول فاندنبرغ من مؤيد للعزلة قبل الحرب العالمية الثانية إلى داعية للتدخل في مرحلة ما بعد الحرب.

لقد استنتج النظام في دمشق بالفعل أن الولايات المتحدة أصبحت أضعف بسبب العزلة الدولية والانقسام الداخلي. وخرجت صحيفة «الثورة» الرسمية معلنة أن مجرد حقيقة شعور أوباما بأن عليه اللجوء إلى الكونغرس، تمثل «بداية التراجع التاريخي الأميركي». فهل يؤكد الكونغرس تحليل الصحيفة أم يفنده؟

* خدمة «واشنطن بوست»