مؤامرة؟

TT

فوجئنا بالموقف الغربي في مد اليد لـ«الإخوان المسلمين». فقد كان الغرب (والكلمة تشمل إسرائيل) يرون في الإخوان والسلفيين والإسلامويين عموما شبحا مخيفا يهدد مصالحهم ويقمع حقوق الإنسان، وخاصة حقوق المرأة والأقليات. هذا ما جعل البعض يعتقدون أولا أن تحرك السيسي كان مؤامرة غربية. ولكن سرعان ما تبدد هذا الظن. فالغرب يقف الآن بجانب الإخوان والسلفيين إلى حد وصفهم بالاشتراكية (انظر «واشنطن بوست»). وراح يضغط على السيسي لفتح الأبواب لهم. عجب عجب! ذئب وله ذنب!

فما السر؟ الجواب في معرفة ما الذي يريده الغرب. كنا نقول: إنهم يريدون النفط. ولكن اتضح الآن أن هذا لم يعد أمرا يقلقهم. فكل الأنظمة العربية مهما تغيرت تبقى حريصة على تسويق النفط والغاز لهم. ولم يعد الحديث عن استعمال النفط كسلاح شيئا واردا. وفي ظل العولمة، أصبحت مصادر الطاقة استثمارا عالميا بيد شركات عملاقة متعددة الجنسيات تساهم فيها حتى الدول المنتجة.

حقوق الإنسان أيضا أصبحت أمرا هامشيا. إنهم تطبعوا الآن على خرقها وتجاهلها لدى كثير منا. هذه طريقتنا في الحياة والحكم وتقبلوها. ما يقلقهم حقا هو أولا تصدير الإرهاب لديارهم. والثاني الهجرة إليهم. ما أن تسلم مرسي الحكم حتى خفوا إليه لمحاورته. تأكدوا منه أنه لن يتعرض لمصالحهم أو يهدد إسرائيل. وسيعمل بمجمل ما يطلبون. وبالفعل نفذ وعوده لهم. خير على خير. استخلصوا من الحوار ومن السلوك أن كل ما يسعى إليه الإسلاميون هو نفس ما سعت إليه الأحزاب العربية الأخرى، وهو نيل المناصب واقتسام المكاسب. كل ما جاء في البرامج والسياسات والشعارات المعلنة هو ضحك على الذقون. لا تحرير فلسطين ولا محاربة الغرب ولا إقامة الخلافة ودولة الإسلام.

قال الغرب: خير على خير. سيزيد ذلك من تخلفهم وبالتالي من حاجتهم إلينا وابتياعهم لمنتجاتنا وخبراتنا. والأهم منه، سيمتصون التشدد الإسلامي وينشغلون بالتقاتل فيما بينهم بدلا من مقاتلتنا وتصدير الإرهاب لنا. وهذه صفحة من صفحات نوري السعيد في العراق. كان يشتري المعارضة بإعطائهم مناصب في الدولة. وهو ما نصحوا السيسي في تطبيقه. أشركهم في الحكم. وإلا فسيسلطون الإرهاب علينا.

ولمس الغرب شيئا آخر يخيفهم. هل سيتحول السيسي إلى عبد الناصر الثاني، كما يتأمل البعض، فيحرص على خلق مصر جديدة، قوية العضلات، عصرية النهج، علمانية التفكير، واثقة من نفسها فتتكرر تجربتهم مع ناصر وصدام حسين ويسبب لهم متاعب هم في غنى عنها؟

هذا ما يشغل الغرب. أما ما يشغلنا فهو: هل يطبق الإخوان فكرة «يتمسكن حتى يتمكن؟» يدارون الغرب ودول الجوار كسبا للوقت لإحكام قبضتهم على الدولة وخلق جيل إخواني جديد وتفتيت المعارضة تمهيدا لتنفيذ مآربهم القديمة وتحريم الديمقراطية وتبني العنف والتوسع؟