أخطار «شوبينغ» زيارة الأطباء

TT

كما أن هناك «تسوقا» للعطور بزيارة محالات بيع العطور وتسوق للملبوسات بزيارة دور الأزياء، ثمة اليوم ما يعرف طبيا بـ«شوبيغ» الأطباء (Doctors Shopping) بزيارة المرضى للأطباء في عياداتهم، وممارسوه هم من يطلق عليهم «شوبرز» للأطباء «doctor shoppers»، أو «متسوقون لدى الأطباء».

وللتوضيح، فإن الـ«تسوق لدى الأطباء» هو ممارسة يقوم من خلالها بعض المرضى بمراجعة أكثر من طبيب في أكثر من مستشفى أو عيادة، والهدف إما تلقي معالجات معينة وخصوصا الوصفات الطبية لأدوية معينة أو إعادة طرح المشكلة الطبية على أكثر من طبيب للتأكد من دقة التشخيص، دون إخبار أي من الأطباء الذين يترددون عليهم بأنهم يراجعون أطباء آخرين لنفس المشكلة الصحية التي لديهم ودون إخبارهم بأنه يتم وصف الأدوية تلك لهم من مصادر طبية أخرى ودون الإخبار عن إجراء أنواع من الفحوصات الطبية.

هذا السلوك ليس نادرا، ويمارسه المرضى في الشرق والغرب والشمال والجنوب، وأسباب لجوء المرضى إلى هذا السلوك مختلفة، والآثار المترتبة على ذلك متنوعة، ولكن يجمعها أمر واحد وهو أنها آثار غاية في السلبية على موارد وعلى مخرجات أنظمة الرعاية الطبية، وغاية في الضرر على المرضى أنفسهم من جوانب شتى.

الريبة والوسوسة (Paranoia) أحد الأسباب، وعدم الثقة سبب آخر للجوء بعض المرضى إلى أكثر من مستشفى في نفس المدينة للشكوى لأكثر من طبيب عن مشكلة صحية واحدة. والهدر لا يطال وقت المريض والتأخير لا يضر بضرورة المبادرة إلى معالجة المشكلة الصحية التي لديه، بل الهدر يطال وقت الأطباء والطاقة الاستيعابية لعياداتهم وحرمان مرضى آخرين من تلقي الخدمة الطبية بدلا منهم، والهدر يطال موارد المختبرات وأقسام الأشعة وغيرها من خدمات التشخيص للأمراض، والهدر يطال موارد الصيدليات وتكرار صرف الأدوية للمريض الواحد ما يحرم مرضى آخرين منها.

ولكن هذه كلها ليست جوانب الضرر والهدر، بل هناك مخاطر حقيقية في احتمالات حصول أخطاء في تشخيص الأمراض التي تتم لها عمليات «نصف» المعالجة، ما يطمس استرشاد الطبيب ببعض العلامات والمظاهر المرضية في سبيل الوصول إلى دقة التشخيص، وكذا مخاطر التعرض غير المبرر لكميات ضارة من الأشعة أو لمخاطر الوسائل التشخيصية الأخرى، ناهيك بمخاطر تناول أدوية مختلفة المصادر لمعالجة نفس المشكلة ما قد ينتج عنه تعارض في تأثيرات الأدوية أو تضاعف مفعولها على المريض.

ولكن أيضا هذه ليست فقط كل جوانب المخاطر، وخصوصا حينما ندخل إلى مناطق طبية يتم خلالها وصف أدوية تخضع لقوانين صارمة في الصرف والاستخدام مثل الأدوية المحتوية على مواد ذات تأثيرات مخدرة أو تأثيرات صحية تحتاج إلى مراقبة.

وضمن عدد 17 يوليو (تموز) الماضي من مجلة «بلوس وان» الطبية (PLoS One)، تم نشر ما وصف من قبل الباحثين الأميركيين بأنه أول إحصاء قومي لممارسة التسوق للأطباء، وخصوصا في جوانب تتعلق بالأدوية المحظور تداولها إلا بوصفات خاصة نظرا لاحتوائها على مواد ذات تأثيرات مخدرة. وأفاد الباحثون أنه سنويا يتم صرف نحو أربعة ملايين ونصف وصفة طبية لأدوية مسكنة للألم تحتوي على مواد من مشتقات الأفيون لأشخاص يقومون بإعادة بيعها في السوق السوداء للأدوية المخدرة. وقال الباحثون إن ثمة «فجوة» في نظام ضبط صرف الأدوية الخاضعة للمراقبة، وأن عدم وجود نظام شامل لتسجيل صرف الأدوية تلك يمكن البعض من تكرار نجاح تلقي وصفات طبية من أطباء مختلفين لأدوية تخضع بالأصل للرقابة وضوابط الصرف. وقال الباحثون تحديدا: «المتسوقون لدى الأطباء يمكنهم الحصول على وصفات متعددة لنفس الدواء بكذبهم على أطبائهم». وأضاف الباحثون أن إساءة استخدام الوصفات الطبية للأدوية المحتوية على مواد مخدرة أصبحت مشكلة ذات تهديدات صحية مهمة في السنوات الأخيرة. وأنه فيما بين عام 1995 و2011 ارتفعت حالات الدخول عبر أقسام الإسعاف للإصابات بحالات سوء استخدام الأدوية المحتوية على مشتقات الأفيون بمقدار عشرة أضعاف، وارتفعت الوفيات بسبب ذلك ووصلت إلى حد أنها تبلغ هذا العام ضعف مجموع عدد الوفيات الناجمة عن تعاطي مخدرات الهيروين وعن تعاطي الكوكايين. أي أن وفيات «التسوق لدى الأطباء» للحصول بطريقة غير قانونية على تلك الأدوية تفوق ضعف وفيات تعاطي الكوكايين وكذلك تعاطي الهيروين! كما أفاد الباحثون أن معدل «تسوق» الواحد من أولئك المرضى لدى الأطباء هو 32 طبيبا، أي ما يقارب عدد المتاجر في مركز تجاري «مول» متوسط الحجم! ونظرا لعدد الوفيات المرتفع نتيجة لسلوك هذا النوع من تجارة «الشوبينغ للأطباء» بمقدار يفوق وفيات المخدرات، فإن من المنطقي ربما التعامل مع هذه المشكلة بصرامة توازي صرامة محاربة تجارة المخدرات.

هذه الدراسة تعطي صورة عن جانب واحد فقط من تداعيات هذه السلوكيات الخاطئة من قبل بعض المرضى، ولعل دراسات أخرى تعطي صورا أخرى أوضح عن حجم التداعيات الاقتصادية والهدر للطاقات البشرية الطبية العاملة في المستشفيات ومقدار حرمان مرضى آخرين من تلقي الرعاية الطبية التي يستهلكها هباء مرضى لا يحتاجون إليها.

* استشاري باطنية وقلب

مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض

[email protected]