رجال مخابرات بلا فظاظات

TT

خرج من روسيا السوفياتية أسوأ رجل مخابرات في العالم، ربما، فقط ربما، لأن الرداءة (مثل عكسها) نسب ومعايير. كان اسمه لافنتري بيريا، وكان عند ستالين. وخرج من روسيا السوفياتية، أيضا ربما، وأيضا للأسباب نفسها، أفضل رجال المخابرات. كان اسمه يوري أندروبوف، وقد عمل في ظل ليونيد بريجنيف وصولا إلى ميخائيل غورباتشوف.

دعك من المصادر الغربية، فهي - مثل الشرقية - مغرضة وعدائية وتمويهية. ما يذهل في أندروبوف هو ما كتبه المسؤولون والسياسيون الروس، وبينهم غورباتشوف، آخر رئيس سوفياتي.

منع أندروبوف الجريمة السياسية التي كانت قبله حساء النظام. كان نائبه يؤمن نوعا من المخدر للزعيم بريجنيف، فمنعه من ذلك. لكن هذا استمر فكان أن هوى بريجنيف و«انتحر» مزوده بالمخدر فذهب أندروبوف لمعاينة جثة «المنتحر» وقال في منزله جملته الشهيرة: لن أسمح بذلك بعد اليوم! لم يعط الروس أندروبوف حقه التاريخي حتى الآن، على الرغم من كل ما كتب عنه من متفرقات. غاب في لبنان مؤخرا مدير الأمن العام أيام فؤاد شهاب، اللواء توفيق جلبوط. روت لي زميلة قبل سنوات أنها ذهبت تسأله بعض ذكرياته، فقال لها: «يا بنتي، ذكرياتي ليست لي. إنها لمديرية الأمن العام». فعادت تقول: «لكن هناك مرور الزمن». فقال: «الزمن لا يمر على القَسَم الذي يؤدّيه الموظف ولا على الآلام التي يثيرها في الناس. يا بنتي، الذين أخطأوا في شبابهم وشبابنا هم الآن في زمن الكهولة والندم. لا تفتحي جروحهم».

ربما كان توفيق جلبوط، الذي للأسف لم أعرفه، مدير «المخابرات» الأكثر التزاما بالقانون في المنطقة. لكن يجب التسجيل أيضا أن معظم مديري المخابرات في لبنان كانوا مستشارين للرؤساء لا منكِّلين وقتلة وخبراء تعذيب. صحيح أنه كانت لهم مهامهم ومسؤولياتهم لكنهم ظلّوا ضمن دائرة السمعة المهابة لا الصيت السيئ. من كابي لحود إلى جول بستاني إلى جوني عبد ومرورا بسامي الخطيب وسامي الشيخة. شارل حلو انتقى مديره للأمن العام من أهل الفكر وإلياس سركيس انتقاه من السمّار ولاعبي البلوت (كاتورز) السفير جوزيف سلامة والسفير فاروق أبي اللمع. وكان الرئيس إلياس الهراوي يروي أن إلياس سركيس انتُخب وفي صندوق المصروفات «السرية» 3 ملايين دولار، وعندما انتهت ولايته كان قد بقي في الصندوق 3 ملايين دولار.

لم تكن هذه سمعة معظم مديري المخابرات في مصر وسوريا والعراق وسنوسي ليبيا. ويروي سكان دمشق القدامى أنهم عندما سمعوا انفجارا قويا هز بيوتهم، هتفوا، إنما في صوت واحد: الحمد لله. وكان حدسهم صحيحا. لقد قتل بلعابه.