إسقاط الأسد مدخل إلى تسوية إقليمية؟

TT

في قمة الثماني الكبار التي عقدت في آيرلندا الشمالية وصف باراك أوباما ندّه الروسي فلاديمير بوتين بعد محادثاتهما حول الأزمة السورية بأنه «طفل كسول يشعر بالملل في الجزء الخلفي من الصف»، اليوم وفي قمة مجموعة العشرين التي تبدأ في سان بطرسبورغ، كان بوتين يأمل في أن يصف أوباما بأنه «طفل متردد يجرجر الفشل في كواليس الكونغرس»، لكنه تلقى الخيبة بعدما تبين أن أوباما يتجه للحصول على تأييد الكونغرس لا لضربة عقابية محدودة فحسب، بل «لتنفيذ خطة أوسع تهدف إلى إضعاف الأسد وتعزيز المعارضة، توصلا إلى العملية الانتقالية التي تجلب السلام والاستقرار ليس فقط إلى سوريا بل إلى المنطقة».

هذه الكلمات التي أدلى بها أوباما وهو «مدجج» بزعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب جون بينر الذي جلس إلى يمينه وبزعيمة الديمقراطيين نانسي بيلوسي إلى يساره، توحي بأنه يريد للضربة العقابية في النهاية ألا تسقط الأسد فحسب بل أن تفتح الطريق أمام التسوية السلمية المعطلة في المنطقة!

كان واضحا أنه ما لم يتمكن أوباما من إقناع الكونغرس بالضربة العسكرية، وهو أمر ليس بالسهل قياسا بمجموعة من الأسباب الداخلية والخارجية، فإننا سنكون أمام منتصر وعدة مهزومين، أما المنتصر فسيكون الأسد وحلفاؤه الروس والإيرانيون وأذرعهم العسكرية، وأما المهزومون فهم أولا، أوباما الذي وصفوه في دمشق بأنه «جبان ومتردد ومضطرب وممثل فاشل»، وثانيا، وهو الأهم هزيمة بروتوكول جنيف الموقع عام 1925 الذي يحظر استعمال السلاح الكيماوي، وثالثا تدمير كل القوانين والمفاهيم ذات الصلة المتعلقة بحماية المدنيين ومنع حروب الإبادة!

إن توصل لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ إلى اتفاق على مسودة تفويض لاستخدام القوة في سوريا، يفتح الطريق أمام موافقة الكونغرس بما يعطي عملية التدخل قوة الإجماع الداخلي، الذي كان من الواضح أن أوباما توخى الحصول عليه، لأنه مثل القيادات العليا في البنتاغون كان يخشى أن تجره الضربة المحدودة إلى حرب واسعة ففضل أن يتحمل الكونغرس المسؤولية إلى جانبه!

أوباما بنى حجته للتدخل العسكري على تلك النظرية التي شرحها على امتداد ساعات ليل فجر أول من أمس كل من جون كيري وتشاك هيغل والجنرال مارتن ديمبسي أمام لجنة الشؤون الخارجية وفي خلال جلسة شاهدها الملايين في العالم الذي يحبس أنفاسه، إنها النظرية التي تقول إنه إذا لم تفعل أميركا شيئا رغم كل تهديداتها والحديث المتكرر عن «الخط الأحمر»، فإنه ستضعف قوة الردع الدولية لحظر استخدام الأسلحة الكيماوية وهذا سيشجع الأسد وحلفاءه الإيرانيين وحزب الله، وخصوصا عندما يجدون أن انتهاكا صارخا لهذه القواعد الدولية لا تترتب عليه أي تبعات، لكن هذا الكلام الذي يقنع الكونغرس لا يقنع الرأي العام في بلد أتعبته الحروب فقد كشفت آخر الاستطلاعات أن 59 في المائة من الأميركيين يعارضون الضربة في مقابل 36 في المائة يؤيدونها، ثم إنه كان يخشى أن حسابات السياسة الداخلية وخصوصا عند الجمهوريين مع اقتراب الانتخابات النصفية لن تصب في مصلحة الضربة.

إن الاتفاق على النص المحدد للتفويض الذي تبنته لجنة الشؤون الخارجية يؤكد أن الكونغرس سيوافق على عمل عسكري حددت مدته الأولى بـ60 يوما قابلة للتمديد مدة شهر، والكونغرس سيقر التفويض أولا، لأنه كان في وسع أوباما أن يتخذ قرار التدخل دون العودة إليه ولكنه أراد الحصول على إجماع يقوي الموقف الأميركي، وثانيا، لأنه بعد كل التهديدات وحشد الأساطيل وتحديد الأهداف التي ستقصف، وحبس أنفاس العالم لمدة 48 ساعة، كانت أميركا ستفقد كثيرا من هيبتها وصدقيتها وستبدو كنمر من ورق وهي صورة سيتحمل الكونغرس وزرها، وثالثا، وهو الأهم لأن التلويح بالضربة والتراجع عنها سيدفع النظام السوري إلى ارتكاب المزيد من المذابح الكيماوية التي كانت ستقيد على خانة أميركا كدولة بلا أنياب، يقودها رئيس حائر لا يملك غير الخطابة المنمقة وميل جارف إلى الاستقالة من العالم، ويتخذ سياسات رخوة حيال المذبحة السورية وفي فلسطين «هل تذكرون رؤية الدولتين» ومع إيران، ولا يتوانى عن التلويح بعصا كرتونية حيال المذبحة الكيماوية في الغوطتين ثم يهرب ليتوارى وراء الكونغرس!

يدرك الجميع أن الضربة «العقابية المحدودة» قد تتحول حربا واسعة لم يرد أوباما تحمل مسؤوليتها وحده «وهو الذي ينتقد جورج بوش لهذه الأسباب عينها» ومن المؤكد أنه كان يعرف ميل الشعب الأميركي إلى عدم الانخراط في حروب جديدة، لكنه الآن وبعدما ضمن وقوف الكونغرس إلى جانبه، فإنه سيقتحم سان بطرسبورغ اليوم مكررا اتهام بوتين بأنه فعلا «طفل كسول في الصف الخلفي»!