منع العرب من حق العودة

TT

تبادلنا تحية سريعة جدا، نجيب ساويرس وأنا، في المطار الإسباني. قال: إنه وصل للتو من القاهرة، المشرفة على الغريق. قلت أنا واصل من بيروت، المشرفة على الحريق. قبل أسابيع كان ساويرس قد عاد إلى مصر، معلنا أن ذهاب محمد مرسي يشجع على عودة الطمأنينة.

أي طمأنينة؟ أليست مصر جزءا من هذه البقعة المعروفة بلعنة الشرق الأوسط، المضادة للتقدم والهدوء والاستقرار؟ سوف أدمن منذ اليوم التالي على قراءة النسخة الإنجليزية من «الباييس». كل يوم هناك حكاية عن إسباني عاد ناجحا من غربته لكي ينقل النجاح إلى وطنه. من مؤسس شركة الكهرباء الذي عاد من نيويورك عام 1909 بعد شراكة مع توماس أديسون، إلى عاملة الحياكة التي أسست شركة «زارا» مع زوجها في مطبخ المنزل. الزوج الآن هو ثالث أثرياء العالم. أي الثالث بعد كارلوس سليم.

لماذا لا يعود كارلوس سليم إلى لبنان ولماذا لم يعد حايك مخترع ساعة «سواتش» ومنقذ صناعة الساعات السويسرية، ولماذا لم يعد محمد الفايد إلى الإسكندرية ولا يعود أحمد زويل ولا يعود أمين معلوف؟ إن هناك إسرائيلين: واحدة هي إسرائيل تمنع حق العودة على الفلسطينيين الذين احتلت بيوتهم وبنت المستعمرات في حدائقها، وواحدة هي الجهل العربي، وهو يمنع حق العودة على الناجحين والمرتقين والذين كانوا يحلمون بنقل شيء من تجاربهم إلى بلدانهم.

لقد نجح هؤلاء في ظل دول مدنية والشرق الأوسط منطقة محظورة على القانون. بدل أن يشتري محمد الفايد هارودز سوف يكون عليه العمل بقواعد خيرت الشاطر. وسوف يكون على العائدين من دول القانون الاختيار بين ملالي إيران و«ديمقراطيات» تركيا وعسكر باكستان ومرشدية مصر ومختبرات الأسد الكيماوية وأمان «القاعدة» في اليمن والتجربة القانونية الحضارية المدنية في العراق وبين الموت في متفجرات الشيعة أو السنة في لبنان: جنوب بيروت أو شمال طرابلس. إلى أين تريدهم يعودون؟ من يعود طوعا إلى بلد أحشاؤه على الأرض؟ من يعود إلى دولة يقول رئيسها – أو وزير إعلامه – إنه سيحرق الشرق الأوسط إذا خطر لأحد معاقبته على إحراق شعبه بغاز الاختناق؟

لا يعودون. الطمأنينة في الغربة أحلى الديار. حنين الفتى لأول منزل صار في جملة المحظورات وسائر اللعنات. كانت شعوب المنطقة تحلم بدولة القانون فحلت دولة المرشد محل دولة الشاه وألصقت دولة المالكي على جبينها عنوان القانون وصارت عودة العسكر أمنية وصارت المنايا أماني.