ازدهار «القاعدة» في انتكاسة الثورات

TT

ليس ثمة من يفرك يديه منتشيا بما يجري في سوريا وفي مصر مثل «القاعدة» ومن دار في فلك فكرها، «القاعدة» كانت الخاسر الأكبر في حراك الثورات العربية حين كان الحراك السلمي أقوى من تفجيراتها والمظاهرات أمضى من تلغيماتها والمسيرات أشد من انتحارييها، والآن تريد أن تكون الرابح الأكبر لانتكاسات الثورات وصراع الإخوة الثائرين، «القاعدة» رغم دعواها النضالي فإنها بإرادتها أو بغير إرادتها صارت حصان طروادة لكل جهاز قمعي، ولا تزال علاقاتها بإيران واستضافتها لها شبهة عار قوية في تاريخها يصعب محوها، خاصة في عراق ما بعد صدام، وحتى إن المتعاطفين مع «القاعدة» يتحدثون عن استغلال طهران لـ«القاعدة» للإيقاع بين تيارات سنية كانت تبحث لها عن موطئ قدم في تشكيل عراق ما بعد صدام، وسقط مشروعهم بسبب رعونة «القاعدة» وتفجيراتها وانتحارييها، صحيح أن في كوادرها وقواعدها من هو مخلص في تحقيق غاياته، لكن هذا لا ينفي سهولة اختراقها واستغلالها.

وفي سوريا كان نظام بشار هو أول من أضاء الإشارة الخضراء لـ«القاعدة» كي تحقق هدفين استراتيجيين يخدمان النظام، الأول: الفت في عضد المعارضة وتفكيكها واستغلال «زعرنة» «القاعدة» في التعامل مع منافسيها في المعارضة وإشغالها، ومعروف عن «القاعدة» سهولة تخوين منافسيها وتسويغ محاربتهم واستهدافهم بالإعدامات بأدنى شبهة، وهم دوما شرارة كل احتراب داخلي، الهدف الثاني: التنفير من الثورة والثوار، فالثوار الصادقون إن سلموا من تهمة الانتماء لـ«القاعدة» ومن دار في فلكها فلن تسلم من التخذيل عن نصرة الثورة بسبب وجود «القاعدة» التي ستكون وبالا على سوريا كما كانت وبالا على أفغانستان والعراق وعلى الدول التي جاءوا منها.

أما في مصر، فكل الذي يخشاه المشفقون على مصر الكارهون للإرهاب والتشدد أن تستمر وتيرة الإقصاء التي طالت التيارات الإسلامية التي تنبذ العنف وخاصمها التيار الجهادي بزعامة «القاعدة»، إن هذا التعامل الإقصائي قد يحقق مكاسب سياسية آنية، لكنه بالتأكيد سيوفر بيئة خصبة لاستنبات التشدد والإرهاب، ويعطي ذريعة للتيار المتشدد في هذه الجماعات الذي ما فتئ يقنعهم بأن دخولهم عالم السياسة خدعة وأن مخالفيهم لن يسمحوا لهم إطلاقا بالوصول للسلطة عبر وسيلة الديمقراطية، والمؤسف أن هذا يجري في وقت شهد فيه الجسد المصري في فترة ما قبل 3 يوليو (تموز) الماضي تعافيا ملحوظا من أعراض الإرهاب والذي كانت تقوده جماعات العنف السياسي، شهد ذروته مطلع التسعينات تلاه المراجعات الشهيرة لكوادر الجماعة الإسلامية والذي أعلنت فيه الجماعة ومن خلال دراسات علمية مؤصلة تخطئة منهجها السابق، بل إنها خطت خطوات متقدمة بعد ثورة يناير 2011 حين اندمجت في العمل السياسي وأنشأت حزب البناء والتنمية وكان أداؤها السياسي لافتا عطفا على تاريخ نشاطها السري في الأقبية وتحت جنح الظلام.

وقل ذات الشيء عن التيار السلفي بكل أطيافه والذي كان من مبادئه (من السياسة ترك السياسة) اندمج هو الآخر في السياسة بل إن بعض أجنحته قطعت شوطا بعيدا لدرجة التحالف مع تيارات ليبرالية ضد «الإخوان»، فليس من مصلحة مصر أن تقود المناكفات السياسية إلى شيطنة التيارات الإسلامية النابذة للعنف وتهيئة المناخ لسوس «القاعدة» أن ينخر في كيانها.