فشل ذريع لـ«تمرد» البحرين

TT

بعد فشل ما كان يسمى بـ«حركة تمرد البحرين» من تحقيق أي شيء يذكر في التاريخ المحدد لتلك الحركة 14 أغسطس (آب) الماضي، نشرت وكالة «رويترز» للأنباء تقريرا وصفت فيه تلك الحركة بأنها عبارة عن تجمع «مهلهل» لبعض من سمتهم «نشطاء المعارضة».

ما كان يسمى بـ«تمرد البحرين»، انطلق بعد نجاح حركة «تمرد» المصرية في الإطاحة بحكم «الإخوان المسلمين» في مصر، بعد أن استجابت القوات المسلحة المصرية لثورة 30 يونيو (حزيران) وتدخل الجيش ليزيح الرئيس المصري السابق محمد مرسي، بعد عام من التدهور السياسي والاقتصادي المستمرين في مصر، وبعد فشل جماعة الإخوان في تحقيق أي شيء يذكر على صعيد التنمية الاقتصادية أو تحقيق توافق سياسي في صياغة الدستور وغيرها من مشكلات أججت الصراع ووضعت «الإخوان» أمام فوهة المدفع بعد أن وجدت الجماعة نفسها عاجزة عن إدارة دولة عربية عظمى بحجم مصر.

أما في البحرين، فإن بعض من تسميهم وسائل الإعلام الغربية «نشطاء»، دأبوا على محاولة تقليد ونسخ كل ما يحدث في مصر وتطبيقه في البحرين. مثل هذا النهج أثبت فشله مرتين في البحرين، ولن يكتب له النجاح أبدا. في المرة الأولى، وفي عام 2011، استنسخ هؤلاء «النشطاء»، ومعهم جمعيات سياسية طائفية، التجربة المصرية، واتخذوا من موقع دوار مجلس التعاون الخليجي (أو ما سموه دوار اللؤلؤة)، مقرا لهم، واعتقدوا أن مثل هذا التجمع سيحقق لهم هدف الطائفية. حتى المصطلحات التي جرى استخدامها إبان أحداث 25 يناير (كانون الثاني) في مصر، استجلبت واستخدمت لوصف من وقفوا ضد الحراك الطائفي، ومن هذه الأوصاف «البلطجية» و«الفلول». وغفل هؤلاء عن طبيعة الحكم في البحرين، وتركيبة المجتمع، وعلاقة البحرين القوية بحلفائها في دول مجلس التعاون الخليجي، وطبيعة ما تشكله بالنسبة لهم من مفتاح أمني وبوابة شرقية.

في المرة الثانية، فشل ما أطلق عليه «تمرد البحرين» بشكل ذريع، حيث جاء التاريخ المضروب، وإذا بجميع فئات المجتمع في البحرين تبتعد بشكل كبير عن هذا التحرك، بل وتقف في وجهه، وتفشله. ولم يحدث في تاريخ 14 أغسطس سوى بعض محاولات الاعتداء على وافدين آسيويين بالإضافة إلى الأعمال الغوغائية المعتادة في قطع الطرق باستخدام الإطارات المحروقة.

بمعنى آخر، لم تتعلم قوى التأزيم في البحرين الدرس بعد، ولم تستوعب أن البحرين ومصر حالتان مختلفتان، وأن استمرار محاولات عمل النسخ الكربونية من الحراك المصري من أجل نقله إلى البحرين لن يفيد ولن يثمر بل سيعود في كل مرة على منفذيه بالفشل، لأن شعب البحرين، يدرك جيدا أن من يتحدث عن «الديمقراطية» من جهة، لكنه يؤيد إقامة جمهورية «إسلامية» تابعة لإيران من جهة أخرى، لا يمكن أن يكون صادقا في نياته. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن أكثر من 50 في المائة من شعب البحرين، لا يريد التغيير الذي تريد أن تحدثه هذه الجمعيات الطائفية، بل إن حل وإغلاق هذه الجمعيات هو ما ينادي به الشعب البحريني، منذ وقفته الأولى في الفاتح، وحتى اليوم. كما أن حب شعب البحرين للملك حمد بن عيسى آل خليفة، وإيمانه بأن حكومة رئيس الوزراء الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، هو ضمانة حماية البلاد من المحاصصة واقتسام السلطة على أسس طائفية، وهو ما يضمن إسقاط أي مشروع طائفي يتربص بالبحرين وحتى دول مجلس التعاون الخليجي.

الجمعيات الطائفية في البحرين كانت تعول على تاريخ 14 أغسطس من أجل حشد الشعب في مشهد «تمرد»، وقادة هذه الجمعيات عبروا عن مساندتهم لهذا الحراك، ثم فوجئوا بأن نهايته بالفشل زادت من قوة الدولة البحرينية من جهة، وأضعفت موقفهم هم كجمعيات طائفية بشكل كبير من جهة أخرى، ولذلك لجأت هذه الجمعيات إلى استخدام منابرها الإعلامية في لندن، لتخاطب جمهورها الذي طالما حصل على وعود بتحقيق الطائفية في البحرين، ليكون الخطاب هذه المرة، ضرورة تفهم طبيعة الوضع في البحرين، وضرورة التعايش، وصعوبة تحقيق الشعارات التي كانت تنادي بالموت والإسقاط، وهي الوعود التي على أساسها تم استغلال الطائفية في البحرين، وتجييرها لصالح مشروع فاشل، عاد عليها بالخسران.

* كاتب وأكاديمي بحريني