لماذا سجن سعد الدين إبراهيم؟

TT

لم أستطع أن أكون رأيا حول الدكتور سعد الدين إبراهيم، ولا حاولت ذلك، يوم كان في ذروة عمله الأكاديمي أو في السجن أو في العودة إلى الظهور بعد سقوط نظام مبارك. أدلى الدكتور إبراهيم، الذي من تلاميذه سوزان وعلاء وجمال مبارك، بسلسلة مقابلات لـ«الشراع» اللبنانية حول أدوار الوساطة التي قام بها بين الإخوان المسلمين وبين المؤسسات الأميركية الرسمية وخصوصا الـ«سي آي إيه» التي كانت حاضرة دائما، وقال إنه التقى قادة الإخوان في السجن وهناك دارت معظم حواراته معهم! إذا كان من تصحيح لأقوال الدكتور إبراهيم، فإنه شأن الإخوان. وما هي علاقة الإخوان بالولايات المتحدة، هذا شأنهم. وفي بعض الأنظمة التي تشتم أميركا كل يوم، هناك «وكلاء» شبه معلنين لأميركا برضا الجميع، أو بمطلب منهم.

والمؤدب صاحب عبارة «طز في أميركا» كان أول من يعلن بعد مجيء رئيس جديد أنه يريد بداية جديدة. كذلك صدام حسين. وآخر رئيس عربي استقبله أوباما كان زعيم «دولة القانون» في المنطقة الخضراء من بغداد. لذلك دعونا لا نقامر في المسائل الغامضة لأنها كلها تشبه رحلة أحمد الجلبي من واشنطن إلى طهران مرورا بالعاصمة العراقية.

يقول الدكتور إبراهيم إن السجون مدارس التطرف والظلاميات وبطولات الفقر والجهل. ولست أدري كيف ترسل دولة مثل مصر رجلا مثل سعد الدين إبراهيم إلى السجن لمجرد أنه عارض رئيس الدولة. أو ترمي في السجن رجلا تجرأ على خوض معركة الرئاسة. علما أن الدستور المصري السابق كان يتيح الترشح فقط لمن يستطيع عبور بيت العنكبوت من دون المساس بخيوطه.

أليس من حل عربي سوى السجون المريعة؟ يفهم المرء أن يسجن أكاديمي - بسبب أو من دون سبب - مثل عارف دليلة في سوريا، وعشرات المفكرين والكتّاب. أو أن يدخل المفكرون جماعات إلى «أبو غريب». أو أن يسجن الصادق المهدي ثم الترابي في جنات البشير. ولكن في مصر ما بعد السادات، كان ذلك كثيرا. أدخل السادات محمد حسنين هيكل السجن، وهناك التقى الرجل، كالمعتاد، الإخوان. حاولوا التقرب منه وعقد صداقة معه. لكن مواقف هيكل من الجماعة في أحداث ما بعد 25 يناير (كانون الثاني) أظهرت أنهم أتوا خطأ آخر.

ماذا فعلت السجون في نهاية المطاف؟ خرجت صفا طويلا من المعارضين وأدبا مؤلما في حق الساكت العربي، وأما السجان فلا يعنيه شيء مما يفعل لأنه لا حدود لأفعاله. ظل السجن في لبنان، على ما عرفنا من انحطاط وتدهور وآفات معادية للحرية، خاليا من المفكرين والمثقفين. واستقبلت بيروت منذ عقود كل من أراد محاربة السوط والجنزير بالفكر.

يسوء الوضع الآن. لكن ليس إلى درجة التعريب الكلي. كيف سيذكر التاريخ مرحلة الظلام العربي؟ سجن يخرج منه البعض للمناداة بالحرية والبعض الآخر لتكثيف العتمة.